مسجد سيادي: كنز معماري وروحاني في قلب المحرق بالبحرين

أسماء صبحي
تعد البحرين أرضًا غنية بالتاريخ والتراث، حيث تتناغم العمارة الإسلامية مع العادات المحلية لتشكل لوحة ثقافية فريدة. ومن بين المعالم التي تجسد هذا التراث يبرز مسجد سيادي كواحد من أهم المساجد التاريخية في مدينة المحرق العاصمة الثقافية للبحرين. والتي عرفت بعراقتها ومكانتها كمركز مزدهر لتجارة اللؤلؤ في الخليج العربي.
وهذا المسجد ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو شاهد حي على الإبداع المعماري البحريني وتاريخ المنطقة الغني بالعلم والثقافة. مما يجعله معلمًا بارزًا يستحق تسليط الضوء عليه.
تاريخ مسجد سيادي
بني المسجد في أواخر القرن التاسع عشر على يد قاسم بن مهزع سيادي، أحد كبار تجار اللؤلؤ في البحرين، الذي اشتهر بسخائه وإسهاماته في دعم المجتمع المحلي. وكان المسجد جزءًا من مجمع سكني كبير يضم أيضًا بيت سيادي الشهير الذي يعد من أروع الأمثلة على العمارة التقليدية البحرينية.
اختار قاسم سيادي بناء المسجد بالقرب من منزله ليكون مكانًا للعبادة، وملاذًا روحيًا لأهالي المحرق. حيث يجتمع الناس لأداء الصلوات، تبادل الأخبار، وحضور الدروس الدينية التي كانت تقام بانتظام.
يعد المسجد تحفة معمارية بكل المقاييس، حيث يجمع بين البساطة في التصميم والجمال في التفاصيل. كما يتميز بتخطيطه التقليدي، مع قاعة صلاة رئيسية ذات سقف مرتفع مصنوع من جذوع النخيل والخشب المستورد. مما يساعد في الحفاظ على تهوية المكان وتلطيف حرارته في الصيف.
أما الجدران، فقد بنيت من حجر المرجان والجص التقليدي مع نوافذ مزينة بأشكال هندسية تتيح دخول الضوء الطبيعي بطريقة تضفي هالة من الصفاء داخل المسجد. كما تعد المئذنة أحد أبرز معالم المسجد حيث ترتفع شامخة فوق الحي، وتستخدم لرفع الأذان الذي كان يسمع في أرجاء المحرق القديمة.
ويقول الباحث في التراث البحريني محمد جمال، إن مسجد سيادي يجسد تفاصيل العمارة الإسلامية المحلية، حيث البساطة تلتقي بالإتقان. كما أن كل زاوية في المسجد تعكس روح البحرين القديمة من زخارف الجدران إلى النقوش التي تروي قصصًا من الماضي.
الدور الديني والاجتماعي
كان المسجد أكثر من مجرد مكان لأداء العبادات، فقد كان مركزًا نابضًا بالحياة المجتمعية. واحتضن حلقات التحفيظ، ودروس الفقه والشريعة، التي كان يُلقيها العلماء المحليون لتعليم الناس أمور دينهم.
كما كان المسجد ينظم اجتماعات الأعيان حيث يتشاور وجهاء المحرق في القضايا التي تخص الحي ويتخذون قراراتهم بالإجماع، ما يعكس الدور المحوري الذي لعبته المساجد في تعزيز النسيج الاجتماعي في البحرين.
وفي المناسبات الدينية، مثل شهر رمضان والأعياد الإسلامية، كان المسجد يتحول إلى مركز للاحتفالات الروحية. حيث تقام صلوات التراويح، وتوزع وجبات الإفطار على الصائمين، في مشهد يجسد قيم التكافل والتعاون بين أهل المنطقة.
ومع مرور الزمن، تعرض المسجد لبعض عوامل التآكل الطبيعية، لكن بفضل جهود هيئة البحرين للثقافة والآثار خضع المسجد لعدة عمليات ترميم دقيقة استخدمت فيها مواد تقليدية للحفاظ على أصالة المبنى.
وتضمنت أعمال الترميم إعادة بناء بعض الأجزاء المتضررة من المئذنة، وتقوية الأسقف، وترميم الزخارف الجدارية يدويًا للحفاظ على تفاصيلها الدقيقة. كما أعيد تأهيل الساحة الخارجية لتصبح مكانًا مناسبًا لاستقبال الزوار الذين يأتون لاستكشاف هذا المعلم التاريخي.