
كتبت – شيماء طه – على مدار التاريخ، كانت العيون رمزًا للحكمة والبصيرة، ولهذا اكتسب علم طب العيون أهمية خاصة، وبرز فيه علماء مسلمون تركوا بصمة لا تمحى. من بين هؤلاء العلماء يبرز اسم عمار بن علي الموصلي، المعروف بـ”الكحال” الذي أسهم في تطوير علم طب العيون ووضع أسسًا علمية للجراحة البصرية ما زالت تدرَّس حتى اليوم.
حياته وإنجازاته العلمية
عاش الكحال في القرن العاشر الميلادي، واشتهر بكونه طبيبًا بارعًا متخصصًا في أمراض العيون وجراحتها. ألّف كتابه الشهير “المُنْتَخَب في علاج أمراض العين”، الذي يعد من أقدم الكتب المتخصصة في طب العيون. حيث تناول فيه وصفًا دقيقًا لتشريح العين، وأمراضها، وأساليب علاجها.
ما ميز الكحال عن غيره من الأطباء هو نهجه العلمي القائم على الملاحظة الدقيقة والتجربة العملية. وهو ما ساهم في تطوير علاجات متقدمة لعدد من الأمراض الشائعة في زمانه، مثل. المياه البيضاء (الساد) والرمد والتهابات العين المختلفة.
إبتكار أدوات جراحية وتقنيات متقدمة
لم يكن الكحال طبيبًا نظريًا فحسب، بل كان مبتكرًا عمليًا، حيث اخترع أدوات جراحية جديدة مثل الإبرة المجوفة المستخدمة في إزالة المياه البيضاء، وهي تقنية كانت متقدمة جدًا مقارنة بأساليب العلاج في ذلك الوقت.
كما أدخل تقنيات مبتكرة في مجال الجراحة، حيث كان من أوائل من استخدم الشفط لإزالة المياه البيضاء بدلًا من الطرق التقليدي. وهو ما قلل من نسبة المضاعفات وسرَّع شفاء المرضى. هذه التقنية كانت النواة التي تطورت فيما بعد لتصبح أساسًا لجراحات العيون الحديثة.
تأثيره على الطب الحديث
كان لكتب الكحال تأثير واسع في أوروبا بعد ترجمتها إلى اللاتينية، واستمر تأثيره لقرون. حيث استفاد العلماء الغربيون من دراساته في تأسيس مدارس طب العيون الحديثة. لا يزال العديد من المفاهيم التي طرحها مستخدمة حتى يومنا هذا، ما يعكس عظمة إسهاماته.
إرثه العلمي وتقدير العلماء له
رغم مرور أكثر من ألف عام على وفاته، لا يزال اسم الكحال حاضرًا في الأوساط الطبية، ويذكر باعتباره أحد أعظم أطباء العيون في التاريخ الإسلامي. كان لمنهجه التجريبي واستكشافاته في مجال جراحة العيون دور رئيسي في تطور هذا التخصص الطبي.
لم يكن الكحال مجرد طبيب عيون، بل كان عالمًا سابقًا لعصره، جمع بين الدقة العلمية، والتجربة السريرية، والابتكار الطبي، مما جعله واحدًا من أعظم أطباء العيون في التاريخ الإسلامي. واليوم، مع التقدم الهائل في تقنيات جراحة العيون، تظل بصمته واضحة في كل تطور جديد في هذا المجال.