حوارات و تقارير

ذكرى وفاة الشيخ طه الفشني..كروان القرآن الكريم

 

أحمد حسان

 

هو علم من أعلام مصر والعالم العربي والإسلامي كمنشد وقارئ للقرآن الكريم، والذي لم يترك صوته مجالًا إلا وكانت له بصمة فيه، ما بين تلاوة القرآن وتراتيل التواشيح وإنشاد المديح، صوته واسمه محفوران في ذاكرتنا كأشهر مؤذن.

ولصوت الشيخ طه حسن مرسي الفشني عذوبة وحركة لم يمتلكها أحد غيره، ينتقل بين مقامات الموسيقية بصورة غير مألوفة، وعندما تسمعه وهو يقرأ القرآن كأنك تسمع واحدا غيره وهو ينشد المديح، خصوصية وعزوبة صوته لم يمتلكها أحد سواه، نشعر بها عندما يخرج بصوته في ساعة عصاري منشدا الأذان، من هو الشيخ طه الفشني ونشأته وحياته الدراسية وعملية .

 

مولدة ونشأته :_

 

يعد الشيخ طه حسن مرسي الفشني أحد أعلام قراءة القرآن والمنشدين المصريين، ولد سنة 1900م بمركز الفشن بمحافظة بني سويف، حفظ القرآن ثم تعلم القراءات.

 

الدراسه والعلم:_

 

واصل الشيخ طه في دراسته الدينية والعامة وحصل على كفاءة المعلمين من مدرسة المعلمين سنة 1919م، حضر الشيخ طه إلى القاهرة، والتحق ببطانة الشيخ على محمود، ثم ذاع صيته بأنه قارئ ومنشد حسن الصوت.

واما بالنسبة بوالده :_

كان والد الشيخ طه مرسي الفشني تاجر أقمشة من ميسوري الحال، اختار لنجله أن يكمل دراسته بعد أن دخل الكتاب وحفظ القرآن وأتم الـ10‏ سنوات، وقبل أن يصل عمره العشرين أكمل تعليمه وحصل على مدرسة المعلمين، وفي دراسته في تلك المدرسة.

 

مكتشف عذوبة صوته :_

اكتشف عذوبة صوت الشيخ طه الفشني، ناظر المدرسة وأسند إليه القراءة اليومية للقرآن في الطابور وحفلات المدرسة، وكان طموح والده أن يكمل ابنه دراسة القضاء الشرعي، وبالفعل ذهب الشيخ طه الفشني إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة القضاء الشرعي، إلا أن ثورة ‏19‏ كانت مشتعلة‏، والأحداث حالت دون استقراره في القاهرة، فعاد مرة أخرى إلى بلده الفشن، وإن كان اختار طريقه فذهب يحيي السهرات في المآتم كقارئ للقرآن في بلدته والقرى المجاورة له‏.‏

 

بدأ يأخذ سمعة أنه قارئ للقرآن الكريم، ولكنه لم يكن مضطرا للاستمرار في قراءة القرآن، خاصة أنه من أسرة ميسورة الحال، وكان شيء ما يجذبه ناحية القاهرة عندما لم يتمكن في المرة الأولى عندما حضر إليها من أن يلتحق بمدرسة القضاء الشرعي، وعاد، لكن كان منظر حي الحسين في خاطره، التحق بالأزهر الشريف في هذه المرة ولكن بغرض أن يتعلم فنون القراءات، وحصل بالفعل على إجازة علم القراءات على يد الشيخ عبد الحميد السحار وأتقن علوم التجويد.

مكان إقامة الشيخ الفشني بالقاهرة :_

كان الشيخ الفشني يقيم بحي الحسين، وكان قريبا منه في السكن الشيخ على محمود، ملك التواشيح الدينية، وكان للشيخ على محمود فرقة تواشيح خاصة، فعرض على الشيخ طه الفشني أن ينضم لها ‏.

وكانت فرصة جيدة أن يتعلم الشيخ طه الفشني الطرب، خاصة أن الشيخ على محمود يعد مدرسة الطرب المصري، فعلى يديه تعلم محمد عبد الوهاب الموسيقى، وعلى يديه أيضا دخل الشيخ طه الفشني فن التواشيح والمديح، وكان زميل الشيخ طه الفشني في فرقة الشيخ على محمود الملحن زكريا أحمد‏.‏

هل سلك الشيخ الفشني طريق الغناء والتلحين أم القراءة والابتهال:_

 

ولكن طريق الشيخ الفشني كان مختلفا، ففي إحدى الليالي بحي الحسين عام‏ 1937‏، كان في حفلة ضخمة وكان يحضرها سعيد باشا لطفي، رئيس الإذاعة المصرية، وكانت هناك علاقة خاصة تجمع بين الشيخ على محمود والشيخ طه الفشني لأنه يعتبره تلميذه وامتدادا له، وأعطى الشيخ على محمود الفرصة للشيخ طه الفشني أن يقرأ أمام رئيس الإذاعة، وأعطى الشيخ على محمود مقعده للشيخ طه وبدأ يقرأ القرآن.

وفي يوم تجل للشيخ طه وغرد فيه بشكل غير طبيعي لدرجة أبهرت سعيد باشا لطفي، رئيس الإذاعة، وبعد أن أنهى الشيخ طه القراءة استدعاه رئيس الإذاعة وقال له: “يا شيخ طه بكره لازم تكون عندنا في الإذاعة المصرية‏، وصوتك لازم يأخذ فرصته ويستمع له الناس في كل بر مصر”، وفي اليوم التالي ذهب الشيخ طه الفشني للإذاعة وأجرى اختبارا والتحق بالإذاعة المصرية سنة ‏37‏، وقدرت لجنة الاستماع صوته بأنه قارئ من الدرجة الأولى الممتازة، وكان مخصصا له قراءة ساعة إلا ربع في المساء في الإذاعة المصرية‏.

كانت الإذاعة بمثابة محطة مهمة للشيخ طه الفشني، لأن اسمه انتشر في كل مكان في بر مصر، بعدها بفترة حانت له فرصة أن يلازم الشيخ مصطفى إسماعيل في السهرة الرمضانية في السرايا الملكية عند الملك فاروق.

 

ورغم أن نجم الشيخ طه الفشني لمع في عالم تلاوة القرآن لكنه استمر كمنشد ديني، وكانت له الفرصة عندما مرض الشيخ على محمود، وكانت هناك مناسبة كل شهر هجري تنظم فيها الإذاعة حفل إنشاد دينيا، وطلبت منه الإذاعة أن يحل محل شيخه على محمود، ولكنه رفض أن يقبل طلب الإذاعة إلا بعد موافقة الشيخ على، وذهب إليه فقال له الشيخ: “اذهب يا طه يا ابني اقرأ أنت خليفتي”، وأذيعت الحفلة وازدادت شهرة طه الفشني في فن الإنشاد الديني، ما دعاه لأن ينشئ فرقة خاصة به للإنشاد الديني عام ‏1942‏ مع استمرار عمله كمقرئ‏.‏

بعد التحاقه بالإذاعة المصرية، كان يذاع للشيخ الفشني أسبوعيًّا في المساء يومي السبت والأربعاء تلاوته على الهواء مباشرة مدة كل تلاوة 40 دقيقة، وظل الشيخ طه الفشني منذ عام 1943 وحتى قيام ثورة 1952 يقرأ القرآن الكريم بقصري عابدين بالقاهرة ورأس التين بالإسكندرية لمدة 9 سنوات، ويستمع الملك فاروق إلى تلاوته التي تمتد إلى 45 دقيقة، فضلًا عن الدعوة الملكية للشيخ طه الفشني لتناول طعام الإفطار على المائدة الملكية في شهر رمضان كل عام.

 

تكريم الشيخ الفشني من رؤساء مصر في حياته :_

 

ظل المبتهل الشيخ الفشني القارئ المفضل للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي أهداه طبقا من الفضة الخالصة ممهورا بتوقيعه، ومن بعده الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والتكريمات والصور التذكارية تشهد بذلك.

 

وفي عام 1991، كرمته الدولة بمنح اسمه نوط الامتياز من الطبقة الأولى، وأطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بمدينة نصر بجوار مدرسة ابن الأرقم.

الشيخ الفشني سفير لمصر في البلدان العربية :_

بل ذاع صيت الشيخ طه الفشني في كل مكان والبلدان والدول المجاورة حتى أصبح خير سفير لمصر في البلدان العربية والإسلامية التي زارها مبعوثا أو مدعوا.

تكريم الشيخ من زعماء ورؤساء الدول العربية :_

كما كرمه زعماء ورؤساء وملوك دول السعودية وباكستان وتركيا وماليزيا وتونس والمغرب وليبيا والسودان وسوريا.

 

ماذا قال عنه المتخصصين في التلاوة والعلم الصوتي :_

قال عنه المتخصصون في فن التلاوة وعلم الصوتيات إن الشيخ طه الفشني وهبه الله سبحانه وتعالي صوتا ملائكيا عذبا ومقامات صوتية تعدت نحو17 مقاما صوتيا يتنقل من بينها في سلاسة واقتدار لا مثيل له، فضلا عن تمتعه بطول نفس وعلمه الكبير بعلم الموسيقى العربية ومقاماتها.

تم إعداد عدة دراسات علمية بالجامعات المصرية في أسلوب أداء الشيخ طه الفشني وعلمه الواسع بفن الموسيقى العربية، ويقول عنه الدكتور أحمد عيسى المعصراوي، شيخ عموم المقارئ المصرية: “إن الشيخ طه الفشني من القراء العظماء القلائل الذين جمعوا بين فن تلاوة القرآن الكريم وفن التواشيح والابتهالات الدينية، بل تفوق على أقرانه في ذلك في صورة لم يدانه فيها أحد”.

ساعد الشيخ الفشني على هذا الإبداع موهبة جمال صوته مع إتقانه لحفظ القرآن الكريم تجويدًا وترتيلًا، بالإضافة إلى قوة الصوت، أيضًا علمه بالفن الموسيقي وتوظيفه له في التلاوة دون الإخلال بإحكام القراءة.

ويشير الدكتور المعصراوي إلى أن الشيخ طه الفشني كان في أدائه للتلاوة يأتي بما يعرف بـ “جواب الجواب”، حيث يندر من يفعل هذا من القراء أو المبتهلين، كما كان لإجادته لحفظ القرآن الكريم بالقراءات السبع عامل مساعد في براعته في التلاوة والابتهالات مما جعله متفردا على غيره من القراء والمبتهلين.

وفاة الشيخ طه الفشني :_

رحل عن عالمنا الشيخ الجليل في يوم الجمعة العاشر من ديسمبر عام 1971، المبتهل والقراء طه الفشني عن عمر يناهز ال٧٠ عاما بعد أن ترك تراثا ضخما وكنزا من التلاوات القرآنية النادرة والتواشيح والابتهالات الدينية ليستمتع بها محبوه وتلاميذه في كل دول العالم الإسلامي، حيث قضى عمره كله في خدمة القرآن الكريم وأهله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى