فنون و ادب

رموز الحيوان في الحضارة المصرية القديمة حين نطقت الطبيعة بلغة الآلهة

 

كتبت شيماء طه

لم تكن الحيوانات في الحضارة المصرية القديمة مجرد كائنات تعيش إلى جانب الإنسان، بل كانت جزءًا أصيلًا من فكره ومعتقده وثقافته. فقد رأى المصري القديم في الحيوان تجسيدًا للقوى الإلهية التي تتحكم في الكون، فاحترمها، وخلّدها في النقوش والمعابد، بل وحنّطها كما حنّط الملوك، في مشهد يعكس عمق الإيمان بعلاقة الإنسان بالطبيعة.

 

الأسد حارس القوة والشمس

احتل الأسد مكانة رفيعة في المعتقد المصري، إذ كان رمزًا للقوة والشجاعة والانتصار. ارتبط بالإلهة سخمت، سيدة الحرب والشفاء، التي كانت تُصوّر برأس لبؤة وجسد امرأة. كما اعتُبر الأسد حاميًا للمعبد والملك، لذا كانت تماثيله الضخمة تُقام على مداخل القصور، مثل تماثيل أبي الهول التي تجسد الحماية الإلهية.

القط رمز الحنان والخصوبة

يُعد القط المصري من أشهر الحيوانات في تاريخ الفراعنة. ارتبط بالإلهة باستت، إلهة الجمال والبيت، التي مثلت الأنوثة والخصوبة والأمومة. وكان من المحرم قتل القطط أو إيذاؤها، إذ اعتبرها المصريون حامية للمنزل من الأرواح الشريرة والثعابين. وعند موت القط، كانت العائلة تُظهر الحزن، ويُحنّط الحيوان في مقبرة خاصة تخليدًا لمكانته.

التمساح قوة النيل وحامي مياهه

في منطقة الفيوم ومدينة “كوم أمبو”، كان التمساح مقدسًا لدى أتباع الإله سوبك، الذي يمثل القوة والسيطرة على مياه النيل. كانت التماسيح تُربّى داخل المعابد وتُزين بالجواهر، وعند موتها تُحنّط وتُدفن في طقوس مهيبة، تعبيرًا عن تقديس المصريين لقوة الماء كمصدر للحياة.

الثعبان الحماية والرهبة

ارتبط الثعبان بالملوك والإلهة واجيت، التي كانت تُصوّر على هيئة كوبرا تحرس التاج الملكي. كان رمزًا للحكمة والحماية، وأيضًا رمزًا للقوى الخفية في الكون. ظهر الثعبان على تيجان الفراعنة كإشارة إلى السلطة الإلهية التي تحمي الملك من الأعداء.

الصقر عين السماء وحارس العرش

رمز الصقر للإله حورس، ابن أوزيريس وإيزيس، الذي جسّد الملكية والسماء والنصر. وكان يُعتقد أن الفرعون هو “تجسيد حي لحورس على الأرض”. ومن هنا أصبحت عين حورس من أشهر الرموز المصرية القديمة، إذ ترمز للحماية والبصيرة والقوة الإلهية.

البقرة نبع العطاء والرحمة

ارتبطت البقرة بالإلهة حتحور، سيدة الفرح والحب والموسيقى. كانت تُصوّر بقرص الشمس بين قرنيها، رمزًا للأمومة والخصوبة والعطاء. ولُقبت بـ“أم النور” لأنها كانت تمثل العطف والحماية للإنسان كما ترعى البقرة صغيرها.

الكلب وابن آوى حرّاس المقابر

كان أنوبيس، إله التحنيط والموتى، يُصوَّر برأس ابن آوى أو كلب أسود. كان المصريون يعتقدون أنه يحرس أرواح الموتى ويقودها بأمان إلى العالم الآخر. لذلك كانت تماثيل الكلاب تُوضع عند المقابر والمعابد طلبًا للحماية الروحية.

طائر الإيبيس والقرد رمزا العلم والعبادة

كان طائر الإيبيس رمز الإله تحوت، إله الحكمة والكتابة، الذي علّم الإنسان اللغة والمعرفة. كما ظهر القرد في الرسوم الجدارية ساجدًا للشمس عند شروقها، في مشهد يدل على ارتباط الحيوان بالعبادة والنظام الكوني.

إن الحيوانات المقدسة في مصر القديمة لم تكن مجرد رموز أسطورية، بل كانت لغة المصري القديم للتعبير عن القداسة والخلود. فكل حيوان حمل رسالة روحانية عميقة تعكس رؤية الفراعنة للحياة والكون، وتأكيدهم على أن كل كائن يحمل جزءًا من طاقة الإله.

تُظهر الدراسات الأثرية أن رموز الحيوانات عند الفراعنة كانت تمثل مزيجًا من الدين والطبيعة والفن. ومن أبرز الحيوانات المقدسة في مصر القديمة القط، الصقر، التمساح، الثعبان، البقرة، والأسد، وهي رموز خالدة ما زالت تدهش العالم حتى اليوم، وتعكس عبقرية المصري القديم في فهم أسرار الكون والطبيعة.

لقد علّمتنا الحضارة المصرية أن كل مخلوق في الكون له قيمة ورسالة. فكما احترم الفراعنة الحيوان واعتبروه مرآة للإله، علينا نحن أن نتعلم من حكمتهم في التوازن بين الإنسان والطبيعة، وأن نصغي للغة الكائنات التي نطقت بها مصر منذ آلاف السنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى