تاريخ ومزارات

التمساح في الحضارة المصرية القديمة من “مسح” إلى الإله سوبك رمز القوة والخصوبة

 

 

كتبت شيماء طه

 

لم يكن التمساح في نظر المصري القديم مجرد كائن مفترس يعيش في مياه النيل، بل كان رمزًا للقوة والحماية والخصوبة، ومخلوقًا يستحق الاحترام والرهبة في آنٍ واحد. عرف المصريون القدماء التمساح باسم “مسح”، وكانوا يشاهدونه يوميًا في مياه النيل التي تمثل مصدر الحياة، فجمع في نظرهم بين الخطر الذي يجب اتقاؤه، والقدرة التي ينبغي تقديسها.

التمساح
التمساح

من الاسم “مسح” تطوّر المفهوم ليصبح التمساح تجسيدًا للإله سوبك، الذي صُوّر على هيئة رجل برأس تمساح.

 

عُبد سوبك كإله للنيل والمياه والخصوبة، وكان المصريون يعتقدون أنه المسؤول عن فيضان النيل الذي يجلب الخير والزرع. كما ارتبط سوبك بالقوة العسكرية، إذ كان يُستعان برمزه لحماية الجنود والفراعنة في المعارك، ليجسد بذلك جانب القوة الإلهية التي تردع الأعداء وتحمي الدولة.

 

تركّزت عبادة سوبك في منطقة الفيوم، التي كانت تُعرف في العصر اليوناني باسم “كروكوديلوبوليس” أو “مدينة التماسيح”. هناك، كان الكهنة يربّون تماسيح مقدسة داخل المعابد في برك خاصة، وتُقدَّم لها القرابين من اللحم والعسل. وعندما تموت، كانت تُحنَّط بعناية وتُدفن في مقابر جماعية، وقد اكتُشفت مئات المومياوات لتماثيل وتماسيح محنطة في الفيوم وكوم أمبو بأسوان.

 

في معبد كوم أمبو الشهير، خُصص نصف المعبد لعبادة سوبك، والنصف الآخر للإله حورس، في إشارة رمزية إلى توازن الخير والشر، والنور والظلام، والحياة والموت.

وقد مثّل التمساح في الرموز المصرية القديمة القوة الملكية والحماية، إذ كان الفراعنة يستمدون جزءًا من رهبتهم وهيبتهم من رمزه. حتى التمائم التي كانت تُعلّق على الرقاب أو توضع في المقابر، صُنعت أحيانًا على شكل تمساح لحماية أصحابها من الأخطار.

 

هكذا، ظل التمساح أو “مسح” كما كان يُسمى قديمًا شاهدًا على عبقرية المصري القديم في تحويل المخلوقات التي يخافها إلى رموز للخلود والقوة والخصوبة، في مزيج فريد من الإيمان بالطبيعة وفهم أسرارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى