عقوبة إيذاء الأطفال في الحضارات القديمة.. من مصر إلى بابل

أميرة جادو
تعد حماية الأطفال في الحضارات القديمة مسألة شديدة التعقيد، تتداخل فيها الأبعاد القانونية والاجتماعية والدينية، إذ كانت درجة الاهتمام بالطفل و«حقوقه» تختلف تبعًا لمفاهيم السلطة الأبوية، والمكانة الاجتماعية، والضرورات الاقتصادية والثقافية السائدة في كل حضارة.
حماية الأطفال في الحضارات القديمة
وفي هذا السياق، كشف عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، أن هناك العديد من الدراسات الأثرية التي تسعى إلى تقديم تحليل مقارن للممارسات المتعلقة بحماية الأطفال، إضافة إلى العقوبات التي كانت تفرض بحق من يسيئون إليهم، مع التركيز على السياقات التاريخية والحضارية المحيطة بتلك الممارسات.
ولفت “عالم المصريات”، إلى أن تلك الدراسات تعتمد على المنهج التاريخي المقارن، مع مراعاة الخصوصيات الفلسفية والثقافية لكل حضارة، إلى جانب دراسة التطورات التي طرأت على الأنظمة القانونية والاجتماعية، بما يكشف عن كيفية تطور مفهوم حماية الطفل عبر العصور.
حضارة بلاد الرافدين “بابل وآشور”
- الإطار القانوني: قدّم قانون حمورابي (حوالي 1754 ق.م.) حماية قانونية للأطفال، مع الأخذ بعين الاعتبار الطبقة الاجتماعية للطفل والجاني.
- عقوبات الاعتداء: إذا تعرض الطفل لأذى جسدي، كانت العقوبات تتسم بالشدة والصرامة.
والجدير بالإشارة أن حماية الطفل قد ارتبطت بمكانة الأسرة في المجتمع، كما نص القانون على واجبات الرعاية والإشراف والتنشئة الدينية والحرفية.
الحضارة المصرية القديمة
- الإطار القانوني والاجتماعي: لم تُعرف قوانين مكتوبة تحدد حقوق الطفل بشكل شامل، لكن الأسرة كانت المؤسسة الأولى لحمايته.
- عقوبات الاعتداء: الاعتداء الجسدي أو الجنسي على الأطفال كان يخضع لعقوبات رادعة وقاسية.
كما اعتمدت حماية الأطفال في مصر القديمة على الأعراف والممارسات العملية، مع التركيز على الحفاظ على وحدة الأسرة ومكانة الأب.
الحضارة اليونانية
- السلطة الأبوية: تمتع الأب بسلطة واسعة تكاد تكون مطلقة داخل الأسرة.
- الممارسات الخاصة: كان نظام “تعريض الأطفال” — ترك الأطفال المشوهين أو الضعفاء — ممارسة رسمية تهدف إلى ضبط النسل، لا فعلًا عشوائيًا.
- عقوبات الاعتداء: الاعتداء الجنسي كان يعد جريمة خطيرة، مع ضرورة حماية سلطة الأب أو الوصي.
الحضارة الرومانية
- السلطة الأبوية: بلغت ذروتها في العصر الجمهوري، إذ كان للأب سلطة هائلة على أبنائه.
- تطور القانون: في العصر الإمبراطوري أصبح قتل الأطفال جريمة يعاقب عليها القانون، وازدادت الحماية القانونية لهم.
- عقوبات الاعتداء: الاعتداء الجنسي على الأطفال عوقب بشدة، خاصة إذا كان الطفل ينتمي إلى طبقة الأحرار.
الحضارة الفارسية
- الإطار الديني والأخلاقي: ركزت التعاليم الزرادشتية على أهمية حماية الضعفاء، وعلى رأسهم الأطفال.
- عقوبات الاعتداء: اتسمت بالعقوبات القاسية والرادعة.
والجدير بالذكر أن هذه العقوبات تكس منظومة أخلاقية لحماية الفئات المستضعفة ضمن إطار ديني صارم، وبذلك يتضح أن مفهوم حماية الطفل لم يكن ثابتًا عبر التاريخ، بل تغير وفق البنية الاجتماعية والدينية والقانونية لكل حضارة، مع بروز تفاوت كبير في درجة حماية الأطفال ونوعية العقوبات التي طبقت بحق المعتدين عليهم.



