المرأة السيناوية .. تاج القبائل وسيدة الخيمة
شمال سيناء – حاتم عبدالهادي السيد
عفة الفتاة السيناوية خط أحمر في القضاء العرفي
السامر السيناوي بمثابة «الأوبرا البدوية».. و”الشاردة” في ذمة قاضي النساء
سيناء أرض السحر والخيال، أرض القمر الساطع وسط الصحراء ، أرض النخيل والإبل والبحر والنور، أرض القمر والجمال الرائع، أرض الله الذى تجلى لموسى فوق الجبل الشاهق ، أرض المحبة والسلام والأديان والأديرة والمساجد والكنائس، أرض التاريخ والبطولات، أرض المقاومة الشعبية الباسلة، أرض المعارك العظيمة والانتصارات، بوابة مصر الشرقية على الحدود، يحرسها البحر والتاريخ ، ويصلي على شاطئها النور ، فتصدح النوارس بعبق الخالق العظيم .
لقد لعبت المرأة البدوية دورًا بارزًا فى الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية فى بادية سيناء، وقد كفل دستور البادية للمرأة حقوقًا نقشت بحروف من ذهب داخل منظومة القضاء العرفي، الذى يعد قانون البادية الصارم ودستورها الحصين.
والمرأة أو الفتاة دائمًا ممسوكة فى كل الأوقات أى “محتجزة” لابن العم، ولابد لابن العم أن يوافق على زواجها إذا تقدم لها أحد غيره، وفي هذه الحالة يدفع الغريب مبلغًا من المال ترضية له.
ولقد حاربت المرأة فى سيناء جنبًا إلى جنب مع الرجل، كما حارب النخيل والجمل، وحاربت الناقة والجبال، والصحارى والسهول والوديان، وحاربت الأشجار ، وليس هذا من قبيل المبالغة، بل كان لكلٍ دوره فى المقاومة الباسلة، وقد تم تسجيل بطولات المرأة المصرية وتوثيقها فى سجلات المخابرات المصرية فى ملفات منظمة سيناء العربية التى أنشأها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات عام 1969م .
والبدويات فى سيناء تراهُن كل صباح على شاطئ المتوسط يلبسن الثوب السيناوي الجميل الزاهي الألوان ويتمنطقن بحزام أسود أو أبيض حول الخصر، ويضعن “البرقع” على الوجه ولا يظهر منهن إلا العينان، والبدويات يغرمن ويولعن “بالوشم” فيشمن الشفة السفلى وظاهر اليدين (أي يقمن بصبغها بالألوان ) ومن ظهر الكف إلى المعصم ثم إلى الكوع وقد يشمن الخد بدقة بصور مختلفة على سبيل الزينة والجمال. وتضع المرأة في أنفها بعد أن يتم تثبيته بطريقة معينة حليًا يسمى “الشناف” وحلقًا يسمى “المخرطة” وهو من الذهب، وتخلع الفتاة “الشناف” بعد أن تتزوج فإذا بلغت الفتاة سن الثانية عشرة يسمح لها بدق “الوشم” على ذقنها وهو على شكل ( 6 ) نقاط مقابل ( ثلاثة ) أخرى، والمرأة تشارك الرجل في الرعي والزراعة كما تشاركه في الرقص والغناء في السامر السيناوي .
السامر السيناوي
وهو بمثابة “الأوبرا البدوية” أو “المسرح البدوي” وهو يقام في أيام محددة أو في الأعياد والمواسم، حيث يجتمع النساء والرجال في بقعة محددة من الأرض، فالبعض يرقص ويغني والبعض يتسابق على الخيل الأصيلة والبعض يجلس حول النار ليشرب الشاي والقهوة ويعلو الغناء ومبارزة السيوف والرقص في جو يسوده الحب والنظام وليس الفوضى والاختلاط المبتذل ، فالكلمة لها حسابها وهم في ذلك أقدر لأنهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان.
القضاء العرفي
لقد أعلى القضاء العرفى فى سيناء من شأن المرأة، فهو قضاء مهيب وعظيم ، إذ الحكم فيه يكون رادعًا لمنع الجرائم فى البادية، ليرتدع الآخرون حتي لا تسوّل لهم أنفسهم فعل مثل هذه الأخطاء، وليس معنى ذلك أنه قانون جائر، بل إن حكمه يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله ، ثم ما تعارف عليه الجميع من القضايا المستحدثة، أو المتعارف عليها ، ويتميز المنشد المسعودي بقضايا العرض والشرف للمرأة بتقدير العقوبة التي يرتكبها كل من تعدّى على عفة المرأة ، أو أراد النيّل منها، وتكون العقوبة مغلّظة لمن تعدّى على عفّة طفلة أو فتاة حدث ( صغيرة ) وهذه من الجرائم المغلّظة الرادعة ليعمّ السلام بين ربوع البوادي ، ولتأمن الفتاة والمرأة والطفلة من السير في الصحراء لقضاء حوائجها كرعي الأغنام ، أو الزراعة أو غير ذلك من أمورها العامة. وقضاء المنشد يمثل الحقوق العامة للمرأة ، فهو يعلي من حقوقها لدى البادية ، فالمرأة والاعتداء على عفتها من الأمور الجليلة فى بادية سيناء ، بل وفي كل البوادي العربية دون استثناء ، ويلجأ للمنشد أو للقاضي المسعودي كل من أقر بذنبه ، واعترف بجرمه ، دون اعتراض أو نكران أو إذا صاحت المرأة (صيحة الضحى ، أو صيحة الليل ) أو إذا أسمعت من اعتدى عليها ، أو إذا لم تعرفه وكان هناك شهود ، أو حتى إذا لم يكن هناك شهود ، فقد تكون في الخلاء وتم الاعتداء عليها وصاحت ولم يسمعها أحد فإذا رجعت وأخبرت أهلها فلها حق المنشد ، وكل حالة من الحالات السابقة لها قضاؤها كما سيجيء لاحقًا. والمنشد يبحث في مسائل العرض، وتقطيع الوجه ، ودخول البيت، والضرب داخل البيت، وغير ذلك. ولقد اشتهرت قبيلة المساعيد بذلك فغدا سلواً لكل قبائل سيناء .
قاضي النساء ( العقبي )
وقد سُمي بالعقبي لأن أكثر قضاة هذا النوع من بني عقبة، وهو قاضي الأحوال الشخصية. ويسمى في البادية (قاضي النساء)، وهو يختص بنظر الخلافات بين الزوجين ويحكم في مشاكل الطلاق والمهر، أو هروب زوجة مع رجل آخر من قبيلتها أو من قبيلة أخرى وتسمى “شرود”. كذلك حالات هجر الزوج لزوجته في الفراش إذا تزوج بأخرى.. إلخ.
حقوق المرأة في العرف القبلي
لقد كان لشبه جزيرة سيناء ، دون سائر محافظات الجمهورية قانون خاص للأحكام ، مؤسس بوساطة العرف والعادة لتطبيق العدالة على حال البدو، ولقد عُرف القانون باسم قانون نمرة 15 لسنة 1911م ، ولقد نصت المادة السابعة منه بأن يحرر المحافظ كل عام كشفًا بأسماء عدول يختارون من أعيان كل جهة ولكل قضية ويتم اختيارهم بمعرفة المحافظ أو رئيس المحكمة ويكون الاختيار بطريق الاقتراع، ويشترط بأن يختار من قبيلة كل خصم أكثر من واحد فى المحاكم الجزئية أو الخصوصية أو فى المحكمة العليا ، وكان المشايخ يتقاضون رواتب من الحكومة المصرية وذلك وقت طلوع ” المحمل الشريف ” – على طريق درب الحج المصرى بسيناء – وذلك من أجل جلب الأمن وتأمين طريق الحج أثناء سير الحجاج فى طرق سيناء الوعرة.
ولقد عرفت الحكومة المصرية طبيعة العادات والتقاليد لأهل البادية ، فقامت بالاعتداد بالقضاء العرفي ، بل وقامت أغلب المحاكم بإحالة كثير من القضايا لتُحل عن طريق هؤلاء القضاة، كما انتدبت قضاة من هؤلاء لمعاونتهم فى حل المشاكل المستعصية حتى تقضي على مشاكل الثأر ، وتمنع الإغارة بين القبائل بعضها على بعض ، لذا صدر القانون رقم 15 لسنة 1911م والخاص بالنظام الإداري والقضائي لمحافظتي سيناء ، والذى أصبح بعد إنشاء مصلحة الحدود عام 1917م القانون السائد فى جميع محافظات الحدود ، ولقد تأسس بالأحكام المستمدة من العرف والعادة وحالة البداوة فى سيناء.
ولقد تشكلت المحاكم الجزئية والمحاكم الخصوصية والعليا واختارت ممثلين عن كل القبائل من المشايخ والقضاة العرفيين كعدول فى القضايا ، وللخصوم من المتقاضين حق رد هؤلاء العدول حسب المادة ( 9 ) من القانون ، وقد تحيل المحكمة بعض القضايا بعد استشارة هؤلاء العدول إلى قضاة معنيين، أو للصلح حتى فى المواد الجنائية وذلك فى حالة قبول أطراف النزاع ذلك.
ومن الجدير بالذكر أنه ليس فى القضاء العرفى حبس أو إعدام ، وإنما توجد عقوبات تتمثل فى رد المسلوب وإعادة الحق لصاحبه ، مع الغرامة حسب تقدير هؤلاء القضاة.
ومن المعروف أن العرف هو أول مصدر من مصادر القانون، ولقد عرفته البشرية عندما أنشأت المجتمعات الأولى قواعدها القانونية ، واقتضى القانون المدنى فى 15 – 10-1949م فى حالة وجود نص تشريعى ، بأن يتم الاعتداد بحكم القاضى العرفى، وبمقتضى مبادئ الشريعة ، فإن لم يكن فبمقتضى القانون الطبيعى، وقانون العدالة.
ولقد جاء نظام الحكم المحلى واعتد بالقضاء العرفى فصدر القرار رقم 569 لسنة 1980م بتشكيل لجنة فض المنازعات وقد اعتمدت هذه اللجنة على الحقوق التى يخولها لها القانون رقم 43 لسنة 1979م والخاص بنظام الحكم المحلى لكل قبيلة أو عشيرة.
هكذا انتصر قانون الصحراء البدوي للمرأة وقضاياها ، كما كفله القانون المدنى للدولة، لتتحرر المرأة من القيود القديمة لتنطلق فى المجتمع لتساعد الرجل وتشاركه فى العمل والإنتاج ، فيتقدم المجتمع وتسير قاطرة التنمية بـ “آدم وحواء” إلى الصحراء الممتدة.