الصباغة رحلة الألوان من الطبيعة إلى الصناعة

عملت الشعوب بالصباغة منذ آلاف السنين، حيث كانت الحضارات القديمة في مصر وفارس والصين والهند تستخدم أصباغا طبيعية لاستخراج الألوان، فقد اعتمدوا على نبات الفوة لإنتاج اللون الأحمر والنيلة لاستخراج اللون الأزرق، ومع بداية الإمبراطورية الرومانية أصبحت الملابس المصبوغة بالأرجوان الطوروسي رمزا للثراء والنفوذ بين طبقة النبلاء، وكانت قيمتها تعادل الذهب بحلول القرن الرابع الميلادي.
تاريخ الصباغة
في العصور الإسلامية، تمكن العلماء من تطوير طرق جديدة لإنتاج الأصباغ، من بينها الإسفيذاج، وهو مسحوق أبيض ناعم الحبيبات يستخدم في صناعة الدهانات، حيث اعتمد البيروني على روث العنب وحجمه بعد عصره لإنتاج ثاني أكسيد الكربون، مما ساعد على تحويل الرصاص إلى إسفيذاج، وقد كانت هذه الطريقة الأفضل لتحضيره وما زالت مستخدمة حتى اليوم تحت اسم الطريقة الهولندية، والتي يرجح أنها انتقلت إلى أوروبا نتيجة العلاقات الوثيقة بين العرب وهولندا حتى القرن السابع عشر.
شهد القرن الثالث عشر الميلادي تطورا في تقنيات الصباغة مع اكتشاف الأرخيل، وهو صبغ أرجواني مستخرج من الأشنة، حيث أصبحت إيطاليا مركزا أوروبيا لصناعة الأصباغ، وفي القرن السادس عشر ظهر القرمز والبقم كمصادر جديدة للألوان، ومع بداية القرن التاسع عشر حدثت ثورة حقيقية في هذا المجال عندما توصل الكيميائي الإنجليزي ويليام هنري بيركين إلى أول صبغ اصطناعي وهو البنفسجي الزاهي، ومنذ ذلك الحين، تطورت الأصباغ الصناعية بشكل كبير حتى أصبحت البديل الأساسي للأصباغ الطبيعية في صناعة المنسوجات.
في العصر الحديث، تمر عملية الصباغة بعدة مراحل أثناء تصنيع الأقمشة، حيث يمكن صباغة الخيوط قبل النسج لإنتاج أقمشة عالية الجودة، أما الأقمشة الأقل سعرا فتتم صباغتها بعد النسج، كما تتيح تقنيات الصباغة المتقدمة إمكانية إنشاء تصميمات ملونة عبر عمليات دقيقة.
تعتمد الصباغة الحديثة على تقنيات متطورة، حيث تصنع أحواض الصباغة من مواد مقاومة للأحماض مثل النيكل والنحاس، وتستخدم أحواض من الفولاذ المقاوم للصدأ في الصباغة الأساسية، وعند صباغة الخيوط يتم لفها على مغازل مثقوبة لضمان تغلغل اللون في جميع الألياف، بينما تصبغ الأقمشة بعد النسيج باستخدام آلات متخصصة مصممة للتعامل مع خصائص كل نوع من الأنسجة، مما يضمن إنتاج ألوان ثابتة تدوم طويلا.