أوهام تحت الرمال.. خرافة المدن المفقودة أسفل الأهرامات وأبو الهول

منذ أن شيدت الأهرامات وأبو الهول على هضبة الجيزة، لم تتوقف الأساطير والشائعات عن ملاحقة هذه المعالم الشاهقة، فبينما تمضي البعثات الأثرية عامًا تلو الآخر في كشف أسرار الحضارة المصرية القديمة بالأدلة العلمية، لا يزال البعض يصر على إحياء خرافات غامضة تدعي وجود مدن مفقودة وأنفاق عميقة تحت الرمال، فهل لهذه الادعاءات أساس علمي؟ أم أنها مجرد حكايات مشوقة تجذب عشاق الغموض ومروّجي نظريات المؤامرة؟
ادعاء جديد.. مدينة غامضة تحت هرم منقرع
وفي الآونة الأخيرة، خرج فريق من علماء آثار إيطاليين بادعاء مثير للجدل، حيث زعموا وجود “مجمّع ضخم تحت الأرض يربط بين أهرامات الجيزة، على عمق يتجاوز 2000 قدم”. وأشار الفريق إلى أنهم رصدوا باستخدام تقنيات التصوير المقطعي أعمدة وهياكل ممتدة أسفل هرم منقرع، مؤكدين أن هذه الاكتشافات ــ إن ثبتت صحتها ــ قد تغيّر نظرتنا إلى التاريخ بشكل جذري.
لكن هذه الفرضية ليست الأولى من نوعها، ففي مارس الماضي، زعم الفريق ذاته عثوره على هياكل مشابهة تحت هرم خفرع، وهو ما استدعى موجة واسعة من النقد الحاد من قبل نخبة من علماء الآثار البارزين، وفي مقدمتهم عالم الآثار المصري الشهير الدكتور زاهي حواس.
زاهي حواس: “مزاعم بلا أدلة.. ولن تخدع مصر بالخرافات”
لم يتردد الدكتور زاهي حواس، عالم الآثار ووزير الآثار الأسبق، في الرد على هذه الادعاءات، معتبرًا أنها غير قائمة على أي أدلة علمية، مشددًا على استحالة التوصل إلى رؤية تفاصيل على عمق آلاف الأقدام باستخدام أجهزة الرادار المتوفرة حاليًا، واصفًا النتائج بـ”الكاذبة وغير المستندة إلى أي أسس علمية”.
وبين حواس أن المجلس الأعلى للآثار لم يمنح أي تصاريح لإجراء عمليات تنقيب أو استخدام أجهزة تقنية حديثة داخل الأهرامات، مؤكدًا أن “هرم خفرع شُيد فوق قاعدة صخرية بعمق لا يتجاوز 8 أمتار، ولا توجد تحته أعمدة أو فراغات، وكل ما يُنشر لا يتعدى كونه وهمًا رقميًا يسعى بعض المهووسين بنظريات المؤامرة إلى الترويج له”.
أسطورة أبو الهول.. مدينة مفقودة أم خيال وهمى؟
ولم يقتصر الجدل على الأهرامات، بل طال أيضًا تمثال أبو الهول، حيث راجت العديد من المزاعم التي تشير إلى وجود مدينة أثرية ضخمة أو شبكة أنفاق سرية أسفل التمثال، كما انتشرت على الإنترنت صور ومقاطع فيديو تزعم وجود فتحة في رأس التمثال تؤدي إلى “سر كبير”.
غير أن الحقيقة جاءت على لسان الدكتور زاهي حواس أيضًا، إذ أوضح قائلًا: “قمنا بأعمال حفر علمية حول أبو الهول وصلت إلى عمق 20 مترًا من جميع الجهات، وأظهرت النتائج أن التمثال نحت من كتلة صخرية صلبة، ولا تمر من تحته أي ممرات، ولا توجد تحته مدينة ولا أسرار كما يشاع”.
وأضاف حواس أن التمثال يضم أربعة سراديب فقط تم اكتشافها أثناء عمليات الترميم، ولا يوجد دليل علمي واحد على وجود ممرات أخرى.
شكل الصخرة فرض نحت أبو الهول؟ رواية خيالية غير منطقية
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت مقولات تزعم أن طبيعة الصخرة التي تقع على الهضبة هي التي “فرضت” على المصري القديم نحت تمثال أبو الهول، إلا أن الدكتور أحمد بدران، أستاذ الآثار في جامعة القاهرة، حسم هذه المسألة في تصريحات لصحيفة “اليوم السابع”، قائلًا: “تمثال أبو الهول تم نحته عمدًا، في موقع اختير بعناية، وبأسلوب مدروس بعناية شديدة، ولم يكن المصرى القديم مجبرًا، بل كان فنانًا عبقريًا يمتلك فلسفة فنية راقية ومعقّدة”.
وأضاف الدكتور بدران: “نمتلك شواهد لا تعد على براعة الفنان المصري القديم في نحت التماثيل بدقة تفوق الخيال، ولا يمكن اختزال هذه العبقرية في مصادفة شكل صخرة بعينها”.