عادات و تقاليد

“يوم القريش” يعلن بداية رمضان في الكويت

أميرة جادو

من العادات الشهيرة في دولة الكويت والتي تظهر مع اقتراب نهاية شهر شعبان، هي إحياء واحدة من أعرق العادات والتقاليد المتوارثة، وهي الاحتفال بـ”يوم القريش”، الذي يصادف آخر أيام الشهر، ويعد موروثًا شعبيًا متجذرًا في الثقافة الكويتية والخليجية.

كرنفال اجتماعي واستعداد للصيام

يأتي هذا الاحتفال كتهيئة لبدء شهر رمضان، حيث يجتمع أفراد العائلة والأقارب والأصدقاء في بيت كبير الأسرة، أو منزل الجدة، أو حتى لدى إحدى سيدات الحي من كبار السن، لتناول آخر وجبة قبل دخول شهر الصيام.

ويوضح الباحث في التراث الكويتي، صالح بن خالد المسباح، أن هذه العادة ذات جذور تاريخية عميقة، وتشكل كرنفالًا اجتماعيًا في الكويت، ويعود أصل التسمية إلى كلمة “قَرش”، أي تناول الطعام بسرعة، إذ يقبل الناس على مشاركة وجبة سريعة في المنازل أو الدواوين قبيل رمضان بيوم أو يومين.

معنى التسمية وأبعادها التراثية

يشير المسباح إلى أن كلمة “قريش” في اللغة العربية تعني السخاء، كما يقال “يقرقش الإنسان” حين يسمع صوت النقود في جيبه، في إشارة إلى العطاء والجود. وتدل التسمية أيضًا على بساطة الوجبة أو قيمتها الرمزية، حيث تسهم كل أسرة بما تيسر من طعام وشراب، في مشهد يعكس روح التكافل الاجتماعي.

طقوس نسائية خاصة بيوم القريش

تلعب النساء دورًا بارزًا في هذا الاحتفال، إذ يحرصن منذ القدم على الاستعداد له بطريقة مميزة، فقديمًا، كانت السيدات يتوجهن إلى البحر لغسل الملابس والبسط، مصطحبات معهن الطعام، ليجتمعن لاحقًا حول السدرة ويتشاركن الأكل،ويقال إنهن ابتكرن هذه العادة خوفًا من تلف الطعام، لاسيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة وقبل ظهور وسائل التبريد الحديثة.

وفي هذا الإطار، كشفت الكاتبة والباحثة في التراث، غنيمة الفهد،  أن النساء كن يشرعن في تنظيف المنازل وتعطيرها بالبخور، وتحضير الأواني الكبيرة، وتزيين أيديهن وأرجلهن بالحناء، بينما يرددن عبارة “اليوم قريش.. وباكر نطوي الكريش”، كما كانت فرقة نسائية تتجول بين منازل الشيوخ والتجار، مرددة أغاني القريش طلبًا للقمح.

مائدة القريش وأصنافها المميزة

تحفل مائدة القريش بأطباق تراثية متنوعة، حيث يعتبر السمك الوجبة الأساسية، إذ يعتقد البعض أنه يزيد الشعور بالعطش، لذا يفضل تناوله قبل بدء شهر الصيام، كما تضم المائدة أصنافًا أخرى مثل التمر، والمجبوس، والهريس، والمرق، وغيرها من الأكلات التقليدية.

كما أوضحت سارة عبد الله، طالبة كويتية، أن هذا الاحتفال يقام عادة يوم رؤية هلال رمضان، سواء كان بالفعل آخر أيام شعبان أم لا، خشية أن يبدأ الصيام فجأة دون التمكن من الاحتفال به، وتشير إلى أن “أبوطبيلة”، أو المسحراتي، ويعتبر جزءًا من الأجواء الرمضانية في الكويت، حيث يجوب الشوارع لإيقاظ الناس للسحور.

من البيوت إلى مقرات العمل والمطاعم

لم يعد الاحتفال بيوم القريش مقتصرًا على المنازل، بل امتد إلى الوزارات والمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، حيث ينظم الموظفون “مائدة القريش” لتعزيز أواصر الترابط الاجتماعي والحفاظ على العادات المجتمعية.

وبدورها، تقول الإعلامية الكويتية، هنادي البلوشية، إن احتفال هذا العام يحمل نكهة خاصة بعد عامين من التوقف بسبب جائحة كورونا، حيث عادت الأجواء الاحتفالية بزخم أكبر، سواء داخل البيوت أو في المطاعم والمقاهي، ليبقى يوم القريش تقليدًا أصيلًا يعبر عن دفء العلاقات الاجتماعية وحفاوة استقبال شهر رمضان المبارك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى