تاريخ ومزارات

مدينة البليد الأثرية: بوابة عمان إلى الحضارات القديمة

أسماء صبحي

في قلب محافظة ظفار، وعلى مشارف مدينة صلالة الساحلية، تبرز مدينة البليد الأثرية كواحدة من أبرز المواقع التاريخية في سلطنة عمان. وكانت هذه المدينة القديمة مركزًا حضاريًا وتجاريًا نابضًا بالحياة. ونافذة تطل على الحضارات القديمة التي ازدهرت على سواحل المحيط الهندي.

تاريخ مدينة البليد الأثرية

ترجع أصول المدينة إلى ما بين القرن الثاني عشر والرابع عشر الميلادي. حيث كانت جزءًا من طريق تجارة اللبان الذي كان يعد من أثمن السلع في العالم القديم. كما أطلق عليها في النصوص التاريخية اسم “المدينة القديمة” وكانت تعتبر مركزًا حيويًا لتبادل البضائع بين شبه الجزيرة العربية، الهند، وشرق إفريقيا.

اكتشف الموقع في القرن العشرين، وبدأت الحفريات الأثرية تكشف تدريجيًا عن معالم المدينة ما جعلها محط اهتمام الباحثين وعلماء الآثار. واليوم، تعد المدينة جزءًا من موقع أرض اللبان المدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 2000.

وتقع المدينة على الساحل الجنوبي لصلالة، وتطل مباشرة على بحر العرب. ما جعلها ميناءً طبيعيًا آمنًا للسفن التجارية. كما ساعد موقعها الاستراتيجي على ازدهار التجارة البحرية. حيث كانت تصدر اللبان، التوابل، والبخور إلى مناطق بعيدة مثل بلاد الرافدين والإمبراطورية الرومانية.

ويوضح الدكتور سعيد بن علي العمري، الباحث المتخصص في تاريخ ظفار، إن مدينة البليد الأثرية لم تكن مجرد مدينة تجارية. بل كانت مركزًا ثقافيًا يعكس التفاعل بين الثقافات المختلفة التي مرت بها. كما تدل النقوش المكتشفة على وجود علاقات مع حضارات بعيدة مثل الهند وشرق إفريقيا.

معالم المدينة

رغم مرور القرون، لا تزال أطلال البليد شاهدة على براعة المهندسين العُمانيين القدماء. وتظهر البقايا المعمارية تخطيطًا حضريًا متطورًا يعكس مهارة أهل المدينة في بناء منشآت متينة تتناسب مع البيئة الساحلية.

  • المسجد الكبير: من أبرز معالم المدينة، ويعتقد أنه كان أحد أكبر المساجد في المنطقة خلال العصور الوسطى. كما يحتوي على 144 عمودًا حجريًا، وكان يستخدم كمركز ديني وتعليمي. ويمكن للزائر اليوم مشاهدة بقايا المحراب وبعض الأعمدة التي صمدت أمام الزمن.
  • القلعة الدفاعية: كانت بمثابة الحصن المنيع للمدينة، حيث بنيت بأسوار عالية وأبراج مراقبة للحماية من الغزوات البحرية. كما تظهر بقايا الأسوار أن المدينة كانت محاطة بخندق مائي في إشارة إلى تطور أنظمة الدفاع العمانية في ذلك الوقت.
  • منطقة السوق: عثر على آثار سوق قديم كان ينبض بالحياة. ويعرض فيه اللبان، التوابل، الأقمشة، والسيراميك المستورد. كما تظهر القطع الفخارية المكتشفة أن البليد كانت تصدر منتجاتها إلى الهند والصين، وتستورد بضائع نادرة مثل الحرير والخزف.

البليد ولبان ظفار

لا يمكن الحديث عن مدينة البليد دون الإشارة إلى اللبان الظفاري الذي كان يعتبر “ذهب الجزيرة العربية”. كما كانت المدينة نقطة انطلاق رئيسية لتصدير اللبان إلى العالم القديم. حيث استخدمته الحضارات القديمة في الطقوس الدينية والعلاجية.

ويشير الباحث محمد البلوشي، المتخصص في التراث العماني، إلى أن تجارة اللبان هي ما جعلت البليد تزدهر اقتصاديًا. حيث كان اللبان الظفاري مطلوبًا في معابد الإغريق والرومان، وكان يعتقد أنه يطهر الأماكن من الأرواح الشريرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى