مسجد قرطبة.. أروع أمثلة العمارة الإسلامية والمسيحية في العصر الوسيط

أسماء صبحي
قرطبة تعني باللغة العربية العدو الشديد. وفي رواية أخرى تعني صرعة، والقرطبة السيف وكأنه قطعة.
علا شأن قرطبة مع قدوم الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من العباسيين. فاستولى على مقاليد الأمور في الأندلس الإسلامية وجعل قرطبة عاصمة له عام 756 م. وقد كانت هذه بداية لعصر قرطبة الذهبي، فقد أصبحت عاصمة الأندلس الإسلامية بأكملها. وأهم مدينة في شبه الجزيرة حيث توافد عليها العلماء والفقهاء وغيرهم من الأشخاص.
أشهر معالم قرطبة
ومن أشهر معالم قرطبة المسجد الجامع ويسمى بالإسپانية Mezquita (وتنطق: مـِثكيتا) وهي تحريف لكلمة مسجد. وهو من الوجهة الفنية أروع أمثلة العمارة الإسلامية والمسيحية على السواء في العصر الوسيط.
اما من الوجهة العلمية، فهو أكبر جامعة إسلامية تدرس فيها العلوم الدينية واللغوية. ويفد إليها طلاب المسلمين وغيرهم للدرس والتحصيل. لذلك اشتهرت مدينة قرطبة لاشتمالها على المسجد الجامع ̎الذي ليس له مثيل سواء في الأندلس أو في الدولة الإسلامية على مر عصورها.
يقع المسجد على قبة صخرية في الجنوب الغربي من مدينة قرطبة الواقعة جنوب إسبانيا. وتبلغ مساحته في الوقت الحالي بما يزيد عن أربعة وعشرين ألف متر مربع
بنى المسجد في عام 169 هجري (785 ميلادي) على يد الأمويّين بأمر من الأمير الأموي عبد الرحمن الأوسط. بعد أن اشترى قسم الكنيسة من الروم وأمر بتحويلها وإعادة بنائها من جديد.
وفي عهد عبد الرحمن الناصر أو ”الثانى” سنة 340هـ، كانت أركان الدولة الأموية في الأندلس قد توطدت. فأقدم الخليفة الجديد على القيام بأول توسعة للمسجد، وذلك تلبية لاحتياجات الأعداد المتزايدة من المسلمين. إلى جانب اهتمامه بتشييد مسجد يليق بما بلغته دولته من قوة.
وعندما تولى المستنصر بالله الثانى، الحكم فى قرطبة عام 350 هـ. عمل على توسيع قاعة الصلاة مرة أخرى، فزادها بمقدار نصف المساحة.
وصف مسجد قرطبة
بتميز الجامع بقرطبة بمئذنته المصنوعة من خشب الساج النفيس والمسماة (بمنارة عبد الرحمن الناصر). وهي من المآذن البديعة التي تحتوى على سلمين ولها 107 درجات وفي أعلاها ثلاث مظلات: اثنتان من الذهب والثالثة من الفضة، يعلوها رمانة ذهبية صغيرة.
وقد حول الإسبان هذه المئذنة إلى برج للأجراس الكاتدرائية. ويبلغ طول باب المئذنة النحاسى 8م وارتفاعه 20م وواجهة البناء من الرخام المنقوش بنقوش عربية بديعة.
وفي الزاوية الجنوبية لمسجد قرطبة بالأندلس توجد مئذنة أخرى مربعة الشكل ارتفاعها 93م. وهى مكونة من خمسة طوابق في كل طابق عدد من الأجراس وفيه 19 بابا مصنوعة من صفائح النحاس القوي. وتقوم قبته على 365 عمودا من المرمر، وعدد قناديله نحو 4700 قنديل. وكان للجامع 1293 عمودا من الرخام بقي منها 1093 عمودا.
وتعلو المسجد قباب من ضلوع متقاطعة فيما بينها، تتوسطها القبة المخرمة الكبرى وهي قبة الضوء. وتبلغ عدد نوافذها ست عشرة نافذة، يدخل منها الضوء فينير جوانب المسجد. ويبلغ عدد ثرياته 280 ثرية، منها ثريات المقصورة من الفضة الخالصة. وكان يوجد في وسط الجامع إناء من نحاس يحمل ألف مصباح. ويخدم الجامع تسعة أبواب مصفحة بالنحاس الأصفر، إلا باب المقصورة فإنه من الذهب.
أمّا المظهر الخارجي للمسجد فيوحي على أنّه قلعة كبيرة محاطة بالأسوار. فهو سميك الجدران ومليء بالأعمدة المصنوعة من المرمر والرخام وحجر السمّاقي، أمّا أرضية الحرم فزينت بالفضة.
اسمائه
تعددت اسمائه عبر التاريخ فأطلق عليه أول ما تم بناؤه جامع الحضرة، والذي يعني جامع الخليفة. وأطلق عليه جامع قرطبة، ومسجد الكاتدرائية وهو الإسم الحالي الذي أطلقه عليه الإسبان بعد تحويله إلى كاتدرائية مسيحية.
كتب عنه جميع مؤرخي العرب في المغرب والأندلس، ووصفوه وصفا دقيقا. فيقول عنه الحميري: “إنه الجامع ̎المشهور أمره، الشائع ذكره. من أجل مصانع الدنيا كبر مساحة، وإحكام صنعة، وجمال هيئة، وإتقان بنية. تهمم به الخلفاء المروانيون، فزادوا فيه زيادة بعد زيادة، وتتميما إثر تتميم، حتى بلغ الغاية في الإتقان. فصار يحار فيه الطرف، ويعجز عن حسنه الوصف، فليس في مساجد المسلمين مثله تنميقا وطولا وعرضا”.
تحول المسجد إلى “كاتدرائية تناول العذراء” مباشرة بعد سقوط قرطبة في يد فرديناند الثالث من قشتالة. فى عام 2006 صدر قانون إسبانى بتحويل مسجد قرطبة الإسلامي رسميا إلى كنيسة ، مما أثار غضب المسلمين في إسبانيا خاصة المسلمين من أصل إسباني وطالبوا بإعادته مسجد والصلاة به. وأوصلوا أصواتهم للكثير من الهيئات أهمها اليونسكو.