الإمام الطحاوي.. فقيه مصر الذي تحدى خاله وأصبح من رموز المذهب الحنفي

أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأزدي الطحاوي، أحد أبرز فقهاء المذهب الحنفي في مصر، وصاحب المكانة الرفيعة بين أصحاب أبي حنيفة. بدأ حياته الفقهية على مذهب الشافعي، حيث تتلمذ على يد المزني، لكن موقفاً غير متوقع من أستاذه غير مساره بالكامل. ذات يوم قال له المزني: “والله لا جاء منك شيء”، فكان لهذا القول أثر بالغ في نفسه، فقرر الانتقال إلى دراسة المذهب الحنفي على يد أبي جعفر ابن أبي عمران، وسرعان ما برع فيه. وعندما أكمل تأليف كتابه “المختصر”، قال بأسف: “رحم الله أبا إبراهيم – أي المزني – لو كان حياً لكفَّر عن يمينه”.
من هو الإمام الطحاوي
كان الطحاوي ابن أخت المزني، وكان يرى خاله منهمكاً في دراسة كتب أبي حنيفة، مما أثار فضوله وجعله يميل إلى المذهب الحنفي، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قراره الحاسم بتغيير مذهبه. وقد أصبح فيما بعد من كبار علماء الحنفية، وترك بصمة واضحة في الفقه الإسلامي من خلال مؤلفاته التي أثرت المكتبة الإسلامية، مثل “أحكام القرآن”، و”اختلاف العلماء”، و”معاني الآثار”، و”الشروط”، إضافة إلى كتاب تاريخي ضخم.
عاصر الطحاوي المزني وكبار علماء عصره، وكان مرجعاً في علم الشروط، حتى إن القاضي أبو عبيد الله محمد بن عبدة جعله كاتباً له، ما ساعده في تحسين أوضاعه المالية بعد أن كان يعاني من ضيق الحال. وعرف القاضي أبو عبيد الله بكرمه، ثم جاء القاضي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب ليقوم بتعديل الطحاوي في القضاء، لكن الشهود كانوا يحرصون على عدم جمعه بين العلم والقضاء، ما دفع أبا عبيد لاستغلال غياب بعضهم أثناء مجاورتهم في مكة، فأثبت عدالة الطحاوي بشهادة المأمون وأبي بكر بن سقلاب.
رحل الطحاوي عن الدنيا في مصر، ودفن في القرافة، حيث لا يزال قبره معروفاً حتى اليوم. وينتمي نسبه إلى قرية طحا في صعيد مصر، كما يعود أصله إلى قبيلة الأزد اليمنية العريقة، ما جعله يحمل إرثاً علمياً وقبلياً مميزاً، ليظل اسمه راسخاً في تاريخ الفقه الإسلامي كأحد أعلام المذهب الحنفي.