المزفر: حكاية تراثية من قلب تبوك تعكس عبقرية الأجداد

تزخر منطقة تبوك بتراث عريق وأصالة ثقافية متجذرة في عمق تاريخها، حيث يعبر التراث الشعبي عن هوية المجتمع السعودي من خلال تفاصيله الفريدة المرتبطة بالمكان والإنسان. لطالما أبدع أهل بادية تبوك وسكان محافظاتها في إعادة تدوير المواد المتوفرة واستغلالها بطرق مبتكرة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك استخدام جلود المواشي لصناعة أدوات متعددة، كان من أهمها المزفر الذي لعب دوراً رئيسياً في حياة النساء.
تاريخ المزفر
المزفر هو قطعة مستطيلة الشكل تصنع من الجلد المدبوغ أو قماش الكتان القوي، يتم تدعيم أطرافها بعصي خشبية مثبتة بإحكام، مع إضافة حوامل مصنوعة من السدو أو حبال قماشية مفتولة تسمح بحمله على الكتف أو الرأس. كان المزفر أداة عملية استخدمتها النساء لحمل أطفالهن الرضع أثناء تأدية الأعمال اليومية أو السير لمسافات طويلة.
تروي فاطمة الحويطي، وهي إحدى السيدات المسنات من محافظة حقل، أن المزفر كان جزءاً لا يتجزأ من حياة المرأة في الماضي، حيث وفر وسيلة آمنة وعملية لحمل الطفل أثناء انشغالها بأعمالها اليومية. وتشير إلى أن هذا الابتكار التراثي أصبح اليوم من المقتنيات التي تزين المتاحف الشعبية، شاهداً على مرحلة تاريخية مليئة بالتحديات والابتكار.
تضيف الحويطي أن صناعة المزفر كانت تعتمد على جلود الأغنام المدبوغة، وفي حال عدم توفر الجلود كان يستخدم القماش كبديل. غالباً ما كان المزفر يصنع باللون الأبيض لعكس أشعة الشمس وحماية الطفل من الحرارة. كما كان يُجهز بموضع خاص لتثبيت رأس الطفل ومنع تعرضه لأي خطر أثناء الحركة.
مع تطور الزمن وتغير أنماط الحياة، ظهرت وسائل حديثة لحمل الأطفال توفر المزيد من الراحة والأمان. ومع ذلك، لا يزال المزفر يحتفظ بمكانته في الذاكرة الثقافية، كرمز لتراث تبوك العريق وابتكار الأجداد الذي يعكس عبق الماضي وحكمة الأزمان.