الأميرة حتشبسوت الثانية: نساء من قنا سطرن التاريخ في صمت

أسماء صبحي – يزخر تاريخ مصر الفرعونية بنماذج نسائية ملهمة تولت أدوارًا قيادية في الحكم والإدارة والدين. ومن بين هذه الشخصيات البارزة تبرز الأميرة حتشبسوت الثانية. إحدى أميرات الدولة الوسطى أو أواخر الدولة القديمة. والتي نسبت إلى إقليم قفط – قنا حاليًا – حيث تشير بعض النقوش والمصادر الأثرية إلى وجودها بين صفوة نساء الأسرة المالكة في الجنوب. وإلى مشاركتها في الطقوس الدينية ومشروعات البناء في تلك الحقبة.
الأميرة حتشبسوت الثانية
رغم عدم شهرتها الواسعة مثل الملكة حتشبسوت الشهيرة التي حكمت مصر. إلا أن هذه الأميرة لعبت دورًا محوريًا في الحياة السياسية والدينية داخل الإقليم الحادي عشر من أقاليم مصر العليا، والذي كانت عاصمته مدينة قفط. وهي مدينة ذات أهمية كبرى في العصر الفرعوني بسبب موقعها الإستراتيجي الذي ربط وادي النيل بالبحر الأحمر وطريق القوافل المؤدي إلى الجنوب.
وتشير نقوش على جدران بعض المقابر في منطقة الهو (جنوب قفط) إلى وجود أميرة تحمل اسم “حات شبسوت” أو “حتشبسوت الثانية”. تظهر بملابس ملكية وتحمل ألقابًا دينية مثل “زوجة الإله آمون” و”كاهنة المعبودة حتحور”. وهي ألقاب تدل على مركزها الديني والسياسي في مجتمعها. كما تعد هذه الشواهد الأثرية دليلاً على أن نساء صعيد مصر لم يكنّ مجرد تابعين. بل لعبن دورًا فاعلًا في صياغة الحياة العامة والدينية.
ويقول الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن إقليم قفط في قنا كان له دور كبير في التاريخ المصري القديم. ومنه خرجت شخصيات نسائية بارزة، مثل الأميرة حتشبسوت الثانية. التي تدل نقوشها على نفوذ نسائي واضح داخل المعابد والبيئة السياسية. وهو ما يؤكد أن المرأة الصعيدية كان لها حضور لا يقل عن نظيرتها في الشمال.
معبد حتحور
ويعتقد أن الأميرة ساهمت في رعاية معبد حتحور في قفط، والذي لم يتبقى منه إلا بقايا حجرية قليلة. وكانت رمزًا للتواصل الديني بين الجنوب والمركز في طيبة (الأقصر حاليًا). ولا تزال بعثات أثرية مصرية وأجنبية تدرس بقايا المعابد والمقابر في جنوب قنا بحثًا عن المزيد من الأدلة التي تثبت وجودها وتأثيرها.
إن قصة حتشبسوت الثانية تذكرنا بأن التاريخ غالبًا ما يكتب من زاوية ذكورية، في حين أن نساءً كثيرات من الجنوب المصري. وتحديدًا من قنا، كنّ جزءًا أصيلاً من نسيج الحضارة المصرية. وما تزال الأبحاث الأثرية تزيح الستار عن نساء قويات حكمن وساهمن في بناء الدولة من صعيد مصر، بعيدًا عن الأضواء.



