تاريخ ومزارات
“الخط العربي.. “مراحل تطوره وأنواعه وأسمائه وأماكن تأسيسه”
دعاء رحيل
يعد الخط العربي من أبرز الفنون الإسلامية، فلن نجد عملاً فنياً، إن كان محاكاً أو مرسوماً أو مبنياً أو مصنّعاً، يغيب عنه الخط العربي. وهذا الوضع المميز لم يأت من اللاشيء، بل جاء بفضل العلاقة الحميمة بين حياة العربي والمسلم وبين دينه، بين هذا المسلم ولغته العربية، وبين هذه اللغة والقرآن الكريم.
استوعب العربي والمسلم منذ زمن طويل أن الخط العربي ليس ككل الخطوط التقليدية، بل خطاً يحمل رسالة وحضارة، فتفنن هذا المسلم والعربي في تطوير الخط وحمّله الكثير من روحانية الرسالة التي نقلت إليه تحديداً بلغته العربية.
انتشر الخط قبل الإسلام في مناطق مجاورة لشبه الجزيرة العربية وبخاصة في الحيرة والأنبار بالعراق ومنه وصل إلى الجزيرة عن طريق الحجاز ونجد. وفي هاتين المدينتين وضعت الأسس الأولى للخط العربي ثم انتقل إلى مكة الكرمة والمدينة المنورة. وهذا ما يشير إلى أن العربي اهتم بالكتابة قبل الإسلام. فقد كتب عقوداً ومعاهدات ووثائق سياسية وتجارية ودون شعراً ونثراً. ولما جاءه القرآن لم يكن العربي أمياً وإلا فكيف تمكن من أن يستوعب هذه الآيات ذات العمق الديني والفكري والتي أنزلت بلغة على درجة عالية من الفصاحة والبلاغة.
تطور الخط العربي
تتطور الخط العربي مع الزمن من وسيلة لنقل المعرفة إلى تعبير عن الجمالية والجمال حتى وصل في زمن العباسيين إلى ثمانين نوعاً من الخط. وقد ارتبط هذا التنوع بعد انتشار الإسلام بالجغرافية البشرية من بلدان وأعمال وعلوم وحرف إلخ.. من هنا جاءت هذه التسميات: كوفي، مدني، مكي، شامي، عراقي، يمني، مصري، سوداني، إيراني، أصفهاني، مملوكي، واسطي إلخ..
استخدم العربي قبل الإسلام الخط ليستنسخ الكتب والخطب وليدوّن ما كان بحاجة إلى تدوين. وكان الكتّاب قليلي العدد وعرفوا بالمستنسخين. ولما جاء فن الخط إلى الحجاز وانتشر نحو مكة اطلق عليه اسم الخط المكي. وبعد الإسلام، عندما هاجر النبي إلى المدينة دعي بالخط المدني. ولما أنشأ عمر بن الخطاب مدينة الكوفة سنة 640م توسع استعمال الخط. فالبصرة، جارة الكوفة، كانت متقدمة في أكثر من فن فتأثر الخط العربي بهذا التقدم وأصبحت الكتابة جالسة على خط مستقيم وتحسنت كتابة الحرف. ونشأ في زمن قصير نمط جديد من الحرف العربي عرف بالكوفي في الكوفة والبصري في البصرى. ثم توحد الكوفي والبصري تحت اسم كوفي، والمكي والمدني باسم المكي. ومع نمو الحاجة إلى الكتابة أدخلت تحسينات على المكي والكوفي بما يمكن دعوته بالحرف الليّن والحرف المقوّر. وعندما أدخلت الكتابة على الخشب والحجر عند بناء بيوت الصلاة تبين أن اللين والمقور بحاجة إلى تبديل فحلّ محلهما الخط “الجاف” و “اليابس”. أما المصحف فكان له منذ البدء خطه الخاص والذي عرف بالمصحفي أو الكوفي المصحفي.
تطوير الخط
يعتمد الخط الجيد على أربعة عوامل أساسية: القلم، الحبر، الورق، ومهارة الخطاط. وقد صنع العرب أقلامهم من أضلاع أوراق النخيل أو القصب أو جذوع الخيزران، كما جلبوا الحبر من الصين قبل أن يصنعوه من السخام والرتنج (مادة صبغية) والعفصة الجوزية. أما الورق فجلبوه في أول الأمر من الصين قبل أن يصنعوه من الكتان ودعوه بالخرساني والذي ما لبث أن انضمت إليه أوراق أخرى عرفت بالسليماني والطالحي والفرواني والجعفري. أما الرق الذي كان استعماله قبل الورق فقد ظل يستعمل حتى القرن التاسع ميلادي بينما ظل البَردى يستعمل حتى القرن العاشر.
تعددت أنواع الخط العربي لكن أقدمها كان الخط الكوفي المصحفي والذي منه تطورت باقي الخطوط. وكان الكوفي الذي ظهر في القرن السابع ميلادي أكثر من نوع واحد، بينه الكوفي المصحفي المايل والكوفي المصحفي المشق والكوفي المصحفي المحقق والكوفي الحديث. ثم جاء الجليل الذي ظهر في دمشق في القرن السابع، كذلك القيرواني الذي ظهر في القيروان أيام عقبة بن نافع، وتبعه الثلث في القرن التاسع وهو أجمل الخطوط العربية وأصعبها كتابة. وجاء بعدها: الثلثين والتوقيع والرئاسي والنصف والخفيف والحوائجي والمسلسل وغبار الحليّة والمعمّرة والنسخ الذي وضع أسسه ابن مقلح في القرن العاشر ميلادي في العراق. وتتالت بعدها الخطوط بين القرن العاشر والقرن التاسع عشر. وأبرز هذه الخطوط المغربي في القرن العاشر فالسوداني الذي ظهر في تمبكتو في القرن الثالث عشر والديواني في تركيا في القرن الخامس عشر والمعلّق الذي وضعه محمد بن الحسن الطيبي في مصر في القرن السادس عشر والسمرقندي في القرن الخامس عشر والهندي في القرن السادس عشر.