هل عرف المصريين القدماء المساواة بين الرجل والمرأة؟
أميرة جادو
تعد الحضارة المصرية القديمة واحدة من أعرق وأهم الحضارات التي عرفها التاريخ البشري، إن لم تكن الأهم على الإطلاق. ما يجعلها فريدة هو تكاملها واهتمامها بكافة جوانب الحياة، خصوصًا تلك المتعلقة بالأسرة وتنظيم حقوق الوراثة.
نظام الأسرة حسب ما جاء في متون الأهرام
تقدم متون الأهرام لمحة عن كيفية تفكير المصريين القدماء في تنظيم الأسرة، وتوضح أن الآلهة كان بعضها يرث بعضًا على غرار البشر. وفي نصوص الأهرام، جاء ما نصه: «يا أوزير أنت ابن «جب» الأكبر وبكره ووريثه»، ما يشير إلى أن الابن الأكبر كان يُعتبر الوريث الشرعي لوالده بعد وفاته. ورغم أنه من الصعب تحديد في أي عصر بدأ تطبيق هذا النظام، إلا أن متون الأهرام تعد مصدرًا مهمًا لفهم نظرة المصريين القدماء لمفهوم الوراثة داخل الأسرة، حيث كانت السلطة تنتقل إلى الابن الأكبر.
أهمية نصوص متن من الوجهة الشرعية
كما تعد وثيقة حياة “متن” من أقدم الوثائق الشرعية التي تتعلق بحقوق الأسرة في مصر القديمة. ولد “متن” في نهاية الأسرة الثالثة وبداية الأسرة الرابعة، وكان ابن موظف قضائي يدعى «إنبو إم عنح». من خلال هذه الوثيقة، نعرف أن “متن” ورث جزءًا من أملاك والده، والتي شملت أراضٍ وفلاحين وماشية.
ومن ثم نكتشف أيضًا كيف كان “متن” يهب جزءًا من أملاكه لأولاده، مما يعكس طرق توزيع الوراثة في تلك الفترة. في هذه الوثيقة، يُذكر أن “متن” ورث 150 أرورا من الأرض من والدته «نبسنت»، التي كتبت وصية أولادها وأعطت “متن” نصيبه منها. كما يعتقد بعض الباحثين أن “متن” قد وهب أولاده 12 أرورا من أراضيه خلال حياته، وقد أظهر هذا كيف كانت الوراثة والتصرف في الممتلكات يتم وفقًا للقوانين الشرعية التي كانت سائدة في تلك الحقبة.
مساواة المرأة للرجل في عهد الأسرة الثالثة
والجدير بالإشارة أن أم “متن” كانت تتمتع بحرية كاملة في التصرف بممتلكاتها، سواء عن طريق الهبة أو الوصية. وهذا يدل على أنها كانت تتمتع بحقوق قانونية ومالية تساوي تلك التي كانت للرجل في تلك الفترة. لم تكن تحت سلطة زوجها أو وصاية ابنها، مما يشير إلى استقرار قانوني يمنح المرأة حقوقًا مستقلة. لم تختلط أملاكها بأملاك زوجها أو أبنائها، وكانت تمتلك السلطة الكاملة على ممتلكاتها. ولم تذكر نقوش قبر “متن” زوجته، مما يوضح أيضًا أن العلاقة الزوجية كانت تتمتع بدرجة من الاستقلالية القانونية.
المساواة في الورث بين الأولاد
كما يتضح من الوثائق المتعلقة بنظام الوراثة في الأسرة المصرية القديمة أنه لم يكن هناك تفرقة بين الذكور والإناث في حق الوراثة. فمثلما ورث “متن” من والدته “نبسنت”، ورث أبناؤه من ممتلكاته أيضًا بالتساوي، دون أن يكون هناك تمييز بين الذكور والإناث. في الواقع، لم يذكر “متن” في نقوش قبره أنه كان الابن الأكبر. وهو ما يشير إلى أن ترتيب الأبناء لم يكن ذا تأثير على حقوقهم في الوراثة. هذه المساواة في الوراثة تظهر بوضوح في وصية الوزير “ني كاو رع” من عهد الملك “خوفو”، الذي وزع ممتلكاته على أولاده من الذكور والإناث بشكل متساوي. ما يعكس مبدأ العدالة والمساواة في توزيع الإرث.
والجدير بالذكر أن هذه الوثائق والنصوص التاريخية تشير إلى أن الحضارة المصرية القديمة كانت متقدمة للغاية في تنظيم الأسرة وحقوق الوراثة. فقد كان نظام الأسرة في مصر القديمة يعتمد على مبادئ العدالة والمساواة بين أفراد الأسرة. بحيث تم توزيع الممتلكات بالتساوي بين الأبناء بغض النظر عن جنسهم. كما كان للمرأة حقوق قانونية مستقلة، مما يعكس تطورًا ملحوظًا في الفكر الاجتماعي والقانوني في تلك الفترة.