تاريخ ومزارات

قلعة تبنين: حامية تاريخية وسط وادي الدفاع الأول

تُعد قلعة تبنين اللبنانية من أبرز المعالم التاريخية في جنوب لبنان، إذ تتميز بموقعها الاستراتيجي على أحد أبراجها الجنوبية الذي يمنح الناظر إطلالة شاملة على الوادي الممتد من شمال شرق بلدة حاريص إلى بركة الصوان عند مفترق بلدتي شقرا وبرعشيت. يبلغ طول هذا الوادي حوالي سبعة كيلومترات، وكان يُعتبر قديماً “خط الدفاع الأول” للمنطقة الشمالية اللبنانية، كونه لا يبعد سوى ثمانية كيلومترات عن الحدود الفلسطينية.

لعبت قلعة تبنين دوراً مهماً في تاريخ لبنان القديم، حيث كانت تمر القوافل التجارية القادمة من فلسطين عبر طريق الحولة وسهل الخان القريب من القلعة. كما ذكر الرحالة ابن جبير أن هذا الممر كان معبراً رئيسياً للقوافل التجارية في تلك الحقبة. يُقال إن بناء القلعة يعود للعصر الفينيقي، ثم أعاد الرومان تجديدها لاحقاً. ووفقاً للدكتور فيليب حتي، يُنسب بناء القلعة إلى حزائيل بن بنجدد، بينما يُشير الأستاذ حسين نعيم في دائرة المعارف الإسلامية إلى أنها تعرضت للهدم عدة مرات على يد ملوك الآشوريين والكلدانيين في طريقهم إلى صور. وقد أُعيد ترميمها في العصور اليونانية والرومانية، حيث وُضعت فيها حامية عسكرية لحماية القوافل المتجهة إلى المدن التجارية.

وقد أرّخ المؤرخ وليَم الصوري للحروب الصليبية وذكر أن قلعة تبنين بناها الحاكم الصليبي لطبريا، هوغ دي سان أومير، عام 1107م، لدعم حملاته العسكرية ضد مدينة صور التي كانت صامدة آنذاك. وبالرغم من بعض الاختلافات في التأريخ، فإن معظم المصادر تشير إلى أن القلعة كانت نقطة انطلاق هامة في الصراع للسيطرة على صور.

تتصف قلعة تبنين بمساحتها الواسعة التي تبلغ حوالي 25,500 متر مربع، ويصل قطرها إلى 180 متراً، مما يجعلها من أكبر القلاع اللبنانية. تحتوي القلعة على عشرة أبراج، أبرزها البرج الغربي المطل على وادي السلطانية والمعروف باسم “برج أبي حمد”. كما يُعتقد أن بين القلعة و”الحصن”، الذي يبعد عنها نحو 200 متر، نفق سري كان يستخدم لأغراض دفاعية.

يحيط بالقلعة خندق من ثلاث جهات، إذ أن الناحية الغربية منيعة ويصعب اختراقها. يُرجح أن هذا الخندق كان يستخدم للحماية العسكرية، وأنه قد دُفن مع مرور الزمن. وقد عُثر في الحفريات الأخيرة على أحجار ضخمة في المنطقة الجنوبية، مما يؤكد متانة البنية التحتية للقلعة.

أما المدخل الرئيسي للقلعة، فهو يقع في الناحية الجنوبية ويفتح على درج مرصوف بالأحجار الملساء. بالقرب من المدخل، يوجد بناء صغير يُقال إنه المدخل السري. هذا المدخل يبلغ عرضه 2.62 متر وارتفاعه خمسة أمتار، وفي أعلى الرتاج يوجد نقش لأسدين متقابلين محاطين بزخارف فنية.

تقود المداخل إلى بهو واسع مستطيل الشكل، يُعتقد أنه كان يستخدم كمربط للخيول، ويُلاحظ أن الجدران والسقوف في القلعة سميكة جداً، مما يشير إلى التصميم الدفاعي الذي كان يحميها من هجمات المنجنيق. وقد اهتمت القوات الدولية النرويجية بالكشف عن بعض معالم القلعة وترميمها، ومنها قصر “سلمان بك” الذي كان جزءاً من القلعة.

ومن الجدير بالذكر أن القلعة تعرضت لعمليات تنقيب عشوائية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث قام ناهبو الآثار بحفر العديد من المناطق داخل القلعة، ما كشف عن بقايا بناء رابع في الناحية الغربية. كما تحتوي القلعة على العديد من آبار المياه التي كانت تستخدم لتأمين احتياجات القاطنين فيها.

تعود أهمية قلعة تبنين إلى تاريخها العريق الذي يمتد لعدة قرون، حيث كانت مركزاً حيوياً للأحداث التاريخية والمعارك الحاسمة التي شهدتها المنطقة. إن ضخامة بنائها وموقعها الاستراتيجي جعلا منها واحدة من أبرز القلاع التي لعبت دوراً محورياً في الحروب والنزاعات عبر التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى