ابن الجزار: طبيب القيروان الذي أذهل الأندلسيين بحكمته
أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد، المعروف باسم ابن الجزار، كان واحداً من أبرز الأطباء في تاريخ القيروان خلال القرن العاشر الميلادي. ولد في عائلة طبية، حيث كان والده طبيباً وعمه كذلك، مما ساعده على اكتساب مهاراته الطبية في سن مبكرة. تعلّم ابن الجزار الطب من إسحاق بن سليمان، أحد أعظم الأطباء في عصره، مما جعله من أهل الحفظ والاطلاع العميق على العلوم الطبية وغيرها من المجالات.
كان يتميز ابن الجزار بفهمه العميق وتفوقه في الطب والعلوم المختلفة، حيث ترجم له عدد من العلماء، مثل صاعد الأندلسي وابن أبي أصيبعة. وُصف ابن الجزار بأنه حافظ للطب ودارس للكتب العلمية، وقد جمع بين تأليفات الأوائل وحسن الفهم لها، مما ساهم في اكتساب شهرة تجاوزت حدود القيروان ووصلت إلى الأندلس، حيث كان الطلاب يتوافدون من هناك ليتعلموا الطب على يديه.
ابن أبي أصيبعة أشار إلى أن ابن الجزار كان متفوقاً ليس فقط في مجال الطب، بل أيضاً في مسلكه الأخلاقي، حيث لم تُسجل عنه أي زلة في القيروان، ولم يكن يتردد إلى مجالس الترفيه، بل كان ملتزماً بحياته المهنية والدينية. رغم مكانته العالية، لم يكن يتصل برجال السلطة إلا في حالات نادرة، وأبرزها كان زيارته لأبي طالب عم معد، الذي كان صديقه الشخصي، وكان يزوره في أيام الجمعة فقط.
ابن الجزار كان يعيش حياة متواضعة على الرغم من ثروته الكبيرة، فقد وجد عند وفاته أكثر من أربعة وعشرين ألف دينار، وخمسة وعشرين قنطاراً من الكتب الطبية وغيرها. وكان قد خطط للسفر إلى الأندلس ولكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك.
واشتهر ابن الجزار أيضاً بكتابه “زاد المسافر”، الذي امتدحه العديد من العلماء والشعراء مثل كشاجم. هذا الكتاب كان يعتبر مرجعاً أساسياً في الطب لعدة أجيال، ما جعل ابن الجزار أحد أعمدة الطب في العالم الإسلامي.
ابن الجزار عاش حياة طويلة امتدت لأكثر من ثمانين عاماً، حيث توفي في القيروان، لكنه ترك وراءه إرثاً علمياً لا يُنسى، ما جعل اسمه يتردد عبر العصور كأحد أعظم الأطباء في تاريخ العالم الإسلامي.