تاريخ ومزارات

اليبرودي: الطبيب الفلاح الذي تحول إلى واحد من أعظم أطباء عصره

في عام 427 هـ، رحل عن الدنيا أبو الفرج جورجس بن يوحنا بن سهل بن إبراهيم، المعروف باليبرودي، وهو طبيب مسيحي من طائفة اليعاقبة، ترك بصماته الواضحة في مجال الطب، وكان يعد من كبار العلماء والمتخصصين في هذا المجال. عشق العلم والفضيلة، وكان دائم الانشغال بالكتب والبحث، لا يمل من الاشتغال العلمي، ولا يفارق بين يديه كتاباً يقلب صفحاته بحثاً عن المزيد من المعرفة.

نشأ اليبرودي في قرية يبرود القريبة من صيدنايا في سوريا، وهي قرية يكثر فيها المسيحيون. في شبابه، كان يعيش حياة الفلاحين، يجمع الشيح من ضواحي دمشق ويبيعه في المدينة. إلا أن لقاءً غير متوقع مع طبيب في دمشق كان نقطة التحول في حياته. عندما رأى اليبرودي الطبيب يفصد مريضًا أصيب برعاف شديد، تساءل بحكمة الفلاح البسيط عن فائدة الفصد إذا كان الدم يتدفق من الأنف بكثرة. هذه الملاحظة الذكية أثارت إعجاب الطبيب الذي نصحه بدراسة الطب، لتبدأ رحلة اليبرودي نحو العلم والمعرفة.

ترك اليبرودي قريته وتوجه إلى دمشق حيث تعلم أساسيات الطب على يد أحد المتطببين. ولكن شغفه بالعلم لم يقف عند هذا الحد، فقد دفعه طموحه إلى السفر إلى بغداد، حيث كان أبو الفرج بن الطيب، كاتب الجاثليق وأحد أعظم الأطباء والفلاسفة في ذلك الوقت. حمل معه سوارًا من والدته لينفق عليه في رحلته العلمية، وأقام في بغداد لسنوات يتعلم فنون الطب والحكمة، حتى أصبح طبيبًا ماهرًا له دراية واسعة ومعرفة عميقة بأسرار الأمراض وعلاجها.

بعد عودته إلى دمشق، بدأ اليبرودي بتطبيق ما تعلمه في بغداد، وكان له مراسلات علمية مع أطباء مصريين مثل ابن رضوان، حيث تبادل معهم المسائل الطبية والمباحثات الدقيقة. كتب بخط يده العديد من الكتب في الطب، وخاصة شروحات كتب جالينوس، كما كانت له مؤلفات خاصة مثل مقالته حول الفرق بين الفرخ والفروج من الناحية الطبية.

اليبرودي، الذي بدأ حياته كفلاح يجمع الشيح من نواحي دمشق، أصبح واحداً من أبرز الأطباء في عصره، تاركاً خلفه إرثًا علميًا متميزًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى