كيف حكم الصليحي اليمن بالسر والعلن؟

أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي الحاكم في اليمن. كان أبوه محمد قضاة اليمن على المذهب السني. وكان أهله وأتباعه يطاعونه. كما كان الداعي عامر بن عبد الله الزواحي يقربه ويزوره. لمنصبه وشأنه وبره وعلمه. فما أنفك عامر الذي ذكر حتى أكسب ولده علي وهو آنذاك صغير السن وألهمه رغبة السيادة. وقيل كان عنده حلية علي الصليحي في كتاب “الصور” وهو من الكنوز القديمة، فألمحه منه على تغير حاله وارتفاع مقامه. وأبلغه عن ذلك سراً من أبيه وأهله.
من هو الصليحي
ثم توفي عامر عام 473 هـ ووصى له بكتبه وعلومه، وثبت في عقل علي من قوله ما ثبت. فانشغل بالدراسة، وكان فطناً، فلم يبلغ الرشد حتى احترف من معارفه التي وصل بها وبالجهد السعيد نهاية الأمل البعيد. كما كان فقيهاً في مذهب الدولة الإمامية مطلعاً على علم التأويل. كما صار يحج مع الناس هادياً على طريق السراة والطائف خمس عشرة سنة وكان الناس يقولون له: سمعنا أنك ستحكم اليمن بكامله ويكون لك مقام. فيكره ذلك وينفيه عن قائله. مع كونه أمراً قد انتشر وكثر في أفواه الناس، الخاصة والعامة.
ولما كان في سنة تسع وعشرين وأربعمائة انتفض في رأس مسار، وهو أعلى قمة في جبال اليمن. وكان معه ستون رجلاً قد عاهدوه بمكة في موسم سنة ثمان وعشرين وأربعمائة على الفداء والنهوض بالدعوة وما منهم إلا من هو من قومه وعشائره في منعة وعدد كثير. ولم يكن برأس الجبل الذي ذكر بناء. بل كان قلة محصنة عالية. فلما سيطر عليها لم ينته نهار ذلك اليوم الذي سيطر عليها في ليلته إلا وقد أحاط به عشرون ألف مقاتل سيف وحاصروه وسبوه واستهزؤا برأيه وقالوا له: إن نزلت وإلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع. كما قال لهم: لم أفعل هذا إلا خشية علينا وعليكم أن يحكمه غيرنا. فإن تركتموني أحفظه وإلا نزلت إليكم، فتركوه. ولم تمض عليه أشهر حتى بناه وحصنه وأتقنه.
صاحب مصر في الخفاء
وتنامى أمر الصليحي شيئاً فشيئاً، وكان يدعو للمستنصر صاحب مصر في الخفاء. كما يخشى من نجاح صاحب تهامة ويقربه ويسلم لأمره، وفي الباطن يبتكر الحيلة في قتله. ولم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه. وذلك في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة بالكدراء. وفي سنة ثلاث وخمسين كتب الصليحي إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدعوة. فأذن له. فطوى البلاد طياً وفتح الحصون والتهائم، ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد حكم اليمن كله سهله ووعره وبره وبحره، وهذا أمر لم يشهد مثله في جاهلية ولا إسلام. حتى قال يوماً وهو يخطب الناس في جامع الجند: وفي مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن، ولم يكن حاكمها بعد، فقال بعض من حضر مستهزئاً: سبوح قدوس، فأمر بالحوطة عليه، وخطب الصليحي في مثل ذلك اليوم على منبر عدن. فقام ذلك الإنسان وتعالى في القول وأخذ البيعة ودخل في المذهب.
ومن سنة خمس وخمسين استقر حاله في صنعاء. كما أخذ معه ملوك اليمن الذين أبطل ملكهم، وأسكنهم معه وولى في الحصون غيرهم. واختط بمدينة صنعاء عدة قصور. كما حلف أن لا يولي تهامة إلا لمن وزن مائة ألف دينار، فوزنت له زوجته أسماء عن أخيها أسعد بن شهاب، فولاه، وقال لها: يا مولاتنا أنا لك هذا؟ فقالت: (هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)، فتبسم وعلم أنه من خزانته، فقبضه وقال: (هذه بضاعتنا ردت إلينا، ونمير أهلنا).