الخدعة التي جعلت مظفر الدين يفقد إربل لفترة وكيف استعادها؟

الملك المعظم السلطان الدين مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن علي بن بكتكين بن محمد التركماني، والي إربل ووليها وممصرها، وابن الملك زين الدين علي كوجك.

 من هو مظفر الدين 

كان كوجك بطلاً وفارساً ومهاباً، امتلك أراضي واسعة، ثم أهداها لأبناء صاحب الموصل، وكان مشهوراً بقوته العظيمة، وعاش زمناً طويلاً، وحج مع الأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي، وتوفي في سنة 563 هـ، وترك أوقافاً وبراً ومدرسة في الموصل. فورث إربل ابنه هذا وهو صغير، وجعل أتابكه مجاهد الدين قيماز، فخدعه قيماز وألف وثيقة بأنه غير أهل للحكم واعتقله ونصب أخاه زين الدين يوسف ملكاً، فهرب مظفر الدين إلى بغداد فلم يلقه أحد، فذهب إلى الموصل عند سيف الدين غازي بن مودود، فأهداه حران، فأقام بها فترة، ثم انضم إلى خدمة السلطان صلاح الدين، وشاركه في الغزو، واستحسنه، وأكرمه، وزاده من الرها، وزوجه من أخته ربيعة واقفة الصاحبية. وبدا مظفر الدين شجاعاً يوم حطين، وواضحاً، فأرسل أخوه صاحب إربل إلى صلاح الدين طالباً النصر فمرض ومات في عكا فمنح السلطان مظفر الدين إربل وشهرزور، واسترجع منه حران والرها.

كرمه

كان كريماً بالصدقة، يوزع كل يوم قناطير من الخبز، ويكسو سنوياً جماعة ويعطيهم ديناراً أو اثنين، وأنشأ أربع خوانك للفقراء والمحتاجين، وكان يزورهم كل اثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويعتني به ويفرحه ويضحك معه. وبنى داراً للنساء، وداراً للأيتام، وداراً للقطاء، ونظم بها وارد، ويمنح كل ما يلزمه. وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يقدم لها السماط، ويشارك في السماع كثيراً، لم يجد متعة في شيء سواه. وكان يمنع من دخول مفسد بلده، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات. وكان في السنة يفدي أسرى بكمية ويخلص سبياً للحج، ويبعث للجيران بخمسة آلاف دينار، وأسال الماء إلى عرفات. وأما احتفاله بالمولد فيعجز الوصف عنه؛ كان الناس يتوجهون إليه من العراق والجزيرة وترفع قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وكان يخرج كل يوم العصر فيقف على كل قبة وينظر، ويفعل ذلك أياماً، ويذبح من البقر والإبل الغنم شيئاً كثيراً فتذبح وتطهى الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالاً كثيرة. وقد جمع له ابن دحية كتاب المولد فأعطاه ألف دينار.

كان متواضعاً، صالحاً، سنياً، يحب الفقهاء والمحدثين، وربما أعطى الشعراء، ولم ينقل عنه أنه خسر في حرب، وقد ذكر هذا وأمثاله ابن خلكان واستغفر من النقص.

قال ابن الساعي: طالت عليه مداراة أولاد العادل، فأخذ مفاتيح إربل وقلاعها وسلم ذلك إلى المستنصر في أول سنة 628 هـ، قال: فاحتفلوا له، واجتمع بالخليفة وأكرمه، وقلده سيفين ورايات وخلعاً وستين ألف دينار.

وقال سبط الجوزي: كان مظفر الدين ينفق في السنة على المولد ثلاث مئة ألف دينار، وعلى الخانقاه مئتي ألف دينار، وعلى دار المضيف مئة ألف. وعد من هذا الخسف أشياء.
وقال: قال من حضر المولد مرة: عددت على سماطه مئة فرس قشلميش، وخمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومئة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلواء.

قلت: ما أعتقد وقوع هذا، فعشر ذلك كثير جداً.

مات ليلة رابع عشر رمضان وعمل في تابوت، وحمل مع الحجاج إلى مكة، فاتفق أن الوفد رجعوا تلك السنة لعدم الماء، فدفن بالكوفة. وعاش أبوه فوق المئة، وعمي وأصم، وكان من كبار الدولة الأتابكية، ما انهزم قط. ومدحه الحيص بيص، فقال: ما أعرف ما تقول، ولكني أدري أنك تريد شيئاً! وأمر له بخلعة وفرس وخمس مئة دينار.