الأرغن العربي: آلة موسيقية قديمة تحكي تاريخ الإمبراطورية الإسلامية
يعتقد أن الآلة الموسيقية التي نعرفها اليوم باسم الأرغن لم تكن موجودة في الحضارة العربية القديمة، ولكنها بدأت تنتشر مع انتشار الخلافة العباسية التي شهدت ازدهارًا علميا وثقافيا للإمبراطورية الإسلامية. وفي ذلك العهد الذهبي للموسيقى وآلاتها، كُتبت المؤلفات الموسيقية التي تتناول فن الغناء والعزف على الآلات الموسيقيّة، وكذلك النظريات العلمية الرصينة لبحث علم الموسيقى.
تاريخ الأرغن العربي
لكنّ العيب الوحيد في تلك المؤلفات هو أنها لم تهتم بوصف الآلات الموسيقية أو شرح شكلها، وذلك لأن الفكر العربي في ذلك الزّمان كان يركز على التّجربة ولم يقتصر على النّظريات. ولكننا نجد وصفًا لأرغنٍ عربيٍ في مخطوطة صينيّةٍ ترجع إلى القرن الرّابع عشر، وفيها يُذكَر أنّ هذا الأرغن كان هديةً من الممالك الإسلاميّة إلى الإمبراطور الصيني “شيه تسو” (1260-1264).
وعلى الرّغم من عدم وضوح الوصف لهذا الأرغن، فإنه يلقي الضّوء على صناعة الأرغن وتطوّره عند العرب. فهو آلة ضخمة تصل ارتفاعها إلى حوالي مترٍ ونصف المتر وعرضها مترٌ واحدٌ. وقد أبدع الموسيقيّون العرب في تلك الآلة وغيّروا فيها بما يتناسب مع النّغمات عندهم.
وهذا الأرغن ليس النموذج الوحيد الذي صنع بأيد عربية، فهناك مراجع تشير إلى نماذج أخرى. ففي حدود عام 963، وصف الكاتب السوري “جشوا بار بهلول” نماذج أخرى، فقال: “هناك نوعان من الأرغن: الأول يشبه نول الحياكة وفيه عدد كبير من الأوتار وبمكن سماعه على سبعة أبعاد، والآخر يتكوّن من عدّة أنابيب فارغةٍ مصنوعة من المرمر ومثبّتة عموديًا بشكلٍ هندسي رائع، وتخرج من تحتها منافخ تشبه المنافخ التّي يستخدمها الحدادون ولكنها أصغر حجمًا وأجمل شكلاً. ويجلس العازف أمام الآلة والمُغنّي إلى اليمين أو إلى اليسار، فتنبعث منها نغمًا لا يُضاهى”.
وذكر ابن سينا أيضًا تلك الآلة في كتابه “رسالة الشّفاء”، وكذلك ذُكرت الآلة وأوصافًا مختصرة جدًا لها في مراجع عربية عديدة.