“صناعة الشِبَاك” قديما مهنة تواجه الاندثار.. اعرف قصتها
دعاء رحيل
في أحد الشوارع الفرعية المؤدية إلى سوق نقادة، غربي قنا، يجلس أبو هاني على كرسي خشبي قديم، وقد اشتعل رأسه شيبا، وقد أراح نظَّارته على مقدمة أنفه، وفتح أبواب دكانه القديم علي مصراعيه، ليستقبل “زبائنه”.
وفي هذا الصدد قال أبو هاني صبري صياد، شبكة صيد السمك هي أداة وُجدت منذ القدم، تصنع من الخيوط والبلاستيك، وأحيانًا من بعض الأسلاك المعدنية، يستخدمها البحارة في صيد أنواع كثيرة من السمك لعل أشهرها السردين وسمك التونة.
كما أن لها أشكال وأنواع مختلفة، فمنها المُعد للساحل، وآخر يُعد للقوارب، ومنها ما يكون مثل الجيب يوضع في الماء وتسير سفينة الصيد فيعلق أنواع مختلفة من الأسماك فيها.
تصنع الشِباك من الألياف المنسوجة في شكل هيكل شبكي، أما شبكات صيد الأسماك في الغالب تكون عبارة عن شبك تعقد بخيط رفيع نسبيًا.
لكن قديمًا كانت شِباك الصيد تُنسج من الأعشاب والكتان، وغيرها من المواد النباتية الليفية، وبعد ذلك تم استخدام القطن، وغالبًا ما يتم تكوين الشبكات الحديثة من البولي أميدات مثل “النايلون”، وخيوط الصوف أو الحرير، وما زالت تُستخدم في نطاق ضيق.
وتتعدد أنواع الشباك وتنسج بطرق مختلفة، كذلك الخيوط المستخدمة لكل نوع تختلف حسب الحاجة المستخدمة لها فهناك شباك “الكركبة”، وتستخدم لصيد أسماك البلطي والبوري وأنواع السهلية، وتصنع من خيوط الشعر البلاستيك الشفافة وتصل مساحة الشبكة الواحدة لنحو 60 مترًا طولا، أما عرضها فيتراوح ما بين المتر و75 سم.
تبدأ صناعة الشباك بتثبيت الغزل في حبل من الفلين وبطريقة اللضم واللقط، نصنع عيونًا من الشَّعر، ويتم التحكم في وسع العيون وضيقها من مسافات الغزل التي تحدد تبعًا لاستخدامها، وفي نهاية الغزل تثبت بحبل من الشعر السميك به كرات من الرصاص الصلب لتثقيل الشبكة.
وهناك نوع آخر من الغزل هو غزل “الهبلة” أو “الشنشيلة”، وهو نوع من الغزل تستخدم فيه خيوط الحرير بدلا من الشعر، وهذه الخيوط سميكة وتصبغ باللون البني، حتى تتحمل ملوحة البحر وتقاوم الحجارة الموجودة في قاع البحر، وتستخدم هذه النوعية في صيد الجمبري.
ويراعى في طريقة الغزل أن تكون عيون الشبكة ضيقة، حتى يمكن بها صيد الجمبري، وتزود في نهايتها بكيس وتصل تكاليف صناعة هذه الشبكة نحو 1200 جنيه لارتفاع أسعار خيوط الحرير بالمقارنة بخيوط الشعر المستخدمة في شباك صيد الأسماك.
يحكي أبو هاني أن مهنته التي ورثها عن عائلته، تعمل في كل ما يتعلق بالصيد منذ ستينيات القرن الماضي، ولقد ورثها عنه أبنائه، إلا أنهم طوروها، مستخدمين الماكينات الحديثة لصيد الأسماك كمهنة وكممارسة.
يعمل أبو هاني في صُنع و بيع الِشباك اليدوية، التي كان هو وأسرته يحيكونها، وصيد الأسماك بالقوارب الصغيرة وبيعها في سوق نقادة، حتى تغير الحال، وأصبح يملك أبو هاني متجرًا لبيع أدوات الصيد.
يقول أبو هاني “أصبحنا نستورد الشباك من اليابان الآن، ولم يعد أحد يقوم بصنع الشباك إلا نادرًا” .
ينظر أبو هاني إلى دكانه الصغير، كأنه يستكشف أركانه وزواياه، قائلًا “العالم تغير الآن، والأبناء الذين ورثوا المهنة، علموها لغيرهم من العمال واكتفوا فقط بالإشراف على العمل العام”.