تاريخ ومزارات

كيف كانت أحياء وحارات القاهرة في القرن الثامن عشر ؟

من أبرز ما يميز المدن الإسلامية التقليدية الوجود الواضح لأحياء سكنية تحيط بمناطق النشاط الاقتصادي. ورغم اختلاف الألفاظ التي تطلق على هذه الأحياء من مدينة إلى أخرى (حومة في فاس والجزائر، وحارة في القاهرة ودمشق، ومحلة في فارس وحلب) أو اختلافها على مدى تاريخ المدينة الواحدة (خطة وحارة وخط في القاهرة). فإن البناء الداخلي لهذه الأحياء (منطقة مغلقة نسبياً مكونة من شبكة متدرجة من المسالك) ووظيفتها (تقريباً أحياء سكنية بعيدة عن أي نشاط اقتصادي متخصص) شيء شبه ثابت. بحيث يمكننا أن نعدها أحد الملامح البارزة للمدينة في العصور الوسطى والحديثة.

حارات القاهرة

ولا يمكننا الاعتماد على تقدير معقول لعدد حارات القاهرة في أواخر القرن الثامن عشر. إلا عن طريق الوصف الذي يقدمه وصف الحملة الفرنسية. كما أن تحديد مواقع هذه الحارات بدقة أصبح أيضاً ميسوراً بفضل الخريطة التفصيلية الملحقة بكتاب ” وصف مصر”.

ويتفق عدد حارات (أحياء) القاهرة، الذي يبلغ اثنين وخمسين حارة في وصف الحملة. على وجه التقريب – كما يقول أندريه ريمون- مع العدد الذي يمكن استخلاصه من قائمة مشائخ الحارات التي تضمها وثائق أرشيف الحملة الفرنسية. وهو 58 شيخاً ويمكن إنقاص هذا الرقم إلى 55 فقط إذا وضعنا في الاعتبار أن ثلاثة من هذه الأحياء تكرر ذكره مرتين.

ومع ذلك يبقى هذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي، فقد اكتشف أندريه ريمون خلال بحثه في وثائق أرشيف القاهرة – وهو بحث لا يدعي أنه تام وشامل-. وجود 16 حارة بينها أحد عشرة لم يرد ذكرها في قائمة “وصف مصر”، كما أن قائمة أرشيف الحملة تختلف كثيراً مع القائمة الواردة في “وصف مصر”. ولذا فإن رقم 63 (52+ 11) الذي انتهى إليه ريمون هو بدوره غير دقيق، والرقم الحقيقي لعدد الأحياء يقرب دون شك من المائة.

وكانت هذه الحارات الـ 63 موزعة على النحو التالي: 23 داخل سور القاهرة الفاطمية و19 بالمنطقة الجنوبية. و20 في المنطقة الواقعة في البر الغربي للخليج، وأكثر من واحدة بناحية الحسينية شمال القاهرة الفاطمية.

خريطة القاهرة

وعندما دخل الفرنسيون القاهرة قسّموا المدينة إلى ثمانية أقسام إدارية بالإضافة إلى القلعة، يشرف على كل قسم منها عدد من قادتهم. وقد قسمت خريطة القاهرة المصاحبة “لوصف مصر” على ثمانية أقسام تبعاً لهذا التقسيم.

وقد ظل هذا التقسيم معمولاً به بعد الفرنسيين إلى أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن. يقول علي مبارك بعد أن ذكر تقسيم الفرنسيين القاهرة على ثمانية أثمان: “وكل ثمن ينقسم شياخات تكثر وتقل بالنسبة لكبر الثمن وصغره، ولكل ثمن شيخ يعرف بشيخ الثمن. مرتبه شهرياً من المحافظة مائة قرش صاغ، ولكل شياخة شيخ يعرف بشيخ الحارة ليس له مرتب من المحافظة. وإنما تكسبه يكون من النقود التي يأخذها برسم الحلوان من سكان الأملاك التي في شياخته، لأن العادة أن من أراد أن يؤجر بيتاً في حارة من الحارات يكون ذلك بمعرفة شيخ الحارة. وبعد تأجيره للبيت يدفع له أجرة شهر برسم الحلوان.”

وكانت القاهرة مقسمة في عهد علي مبارك إلى الأثمان التالية: ثمن الأزبكية، وثمن باب الشعرية، وثمن الجمالية. وثمن الدرب الأحمر، وثمن الخليفة، وثمن عابدين، وثمن السيدة زينب، وثمن مصر العتيقة.

أبواب الحارات

وقد أقيمت على مداخل الدروب والحارات أبواب لمنع السرقات بعد امتداد العمران خارج أسوار القاهرة. وأول إشارة تقابلنا في المصادر تفيد إنشاء مثل هذه البوابات ترجع إلى سنة 864/1459. فقد كثرت السرقات في هذا العام مما دعا الأغنياء والميسورين إلى إقامة بوابات على الحارات والدروب وعينوا لها بوابين لحراستها. فكانت تغلق عقب صلاة العشاء بينما كان بعضها يغلق عقب الغروب بقليل.

كما وردت إشارات على إقامة بوابات ودروب في حوادث سنوات 903/1497و 922/1516. وكانت أبواب هذه الدروب والحارات هي وأبواب المدينة تغلق عند وقوع اضطرابات سياسية أو مشاحنات بين مختلف طوائف الجند.

وقد شرع الفرنسيون بعد وصولهم إلى القاهرة في تكسير أبواب الدروب والبوابات النافذة. فيذكر الجبرتي في حوادث سنة 1213 أن عدداً من عساكر الفرنسيين خلعوا أبواب الدروب والعطف والحارات، كما خلعوا أبواب الدروب غير النافذة أيضاً. ونقلوا جميع ذلك على بركة الأزبكية عند رصيف الخشاب ثم كسروها وباعوها للوقود.

وفي أوائل القرن التاسع عشر بعد أن دانت الأمور لمحمد علي باشا صدرت الأوامر بنزع البوابات التي على الدروب مبالغة في استتباب الأمن واستقراره.

ورغم ما أصاب البوابات من التخريب فقد بقي منها عدد قليل يرجع الفضل في بقائه إلى لجنة حفظ الآثار العربية التي سجلتها كأثر. مثل: باب حارة زقاق المسك بالخيمية، وحارة الألايلي بالغورية، وبوابة طرباي بباب الوزير، وباب درب المبيضة بالجمالية. وباب حارة برجوان بالنحاسين، وباب متصل بقبة تتر الحجازية بالقفاصين بقسم الجمالية، وبوابة بيت القاضي بجوار قسم الجمالية.

وكانت العادة في القاهرة أن يطلق على الشوارع والحارات والرحاب أسماء التجارات والصناعات التي تشغلها. أو أسماء بعض القبائل والجماعات التي اختطتها أو ابتدأت بسكنها. ولكن في سنة 1262/1847 صدر أمر بتسمية الشوارع وترقيم الدور الواقعة على جانبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى