د. محمد السعيد إدريس يكتب: سوريا وطموحات أردوغان الرئاسية
د محمد السعيد إدريس يكتب: سوريا وطموحات أردوغان الرئاسيةمنذ الصدمة التي أحدثتها نتائج الانتخابات البلدية التركية التي أجريت في 31 مارس/ آذار 2024 وتركيا منقسمة سياسياً حول دعوتين: الأولى للمعارضة، التي اكتسحت هذه الانتخابات بقيادة حزب الشعب الجمهوري، تطالب بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في القريب العاجل دون انتظار موعدها المقرر عام 2028، والثانية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية) ضمن «تحالف الشعب» الذي يضم حزب «الحركة القومية» بزعامة دولت بهشلي، ويطالب بتعديل الدستور.
فالرئيس أردوغان أضحى، منذ تلك الانتخابات البلدية، مسكوناً بدعوة وضع دستور جديد للبلاد، وليس مجرد تعديل للدستور الحالي الذي جرى وضعه بعد الانقلاب العسكري عام 1982. وتدرك المعارضة التركية أن الهدف الحقيقي لأردوغان من إلغاء الدستور وفرض دستور جديد هو أن يجدد لرئاسته. حيث إنه لم يعد من حقه الترشح مرة رابعة للرئاسة في ظل الدستور القائم.
سوريا وطموحات أردوغان الرئاسية
مشكلة الحكم والمعارضة في تركيا مثيرة للاهتمام، فإذا كان الحكم ممثلاً في الرئيس أردوغان وحزبه. يريد إلغاء الدستور الحالي وطرح دستور جديد على النحو الذي يأمله. فإنه في حاجة ماسة إلى تأييد المعارضة التي ترفض بالمطلق مثل هذه الدعوة.
فأردوغان يحتاج إلى موافقة 360 نائباً في البرلمان، على الأقل، من أصل 600 نائب أعضاء في البرلمان لكي يلغي الدستور الحالي. في الوقت الذي لا يملك فيه التحالف الحاكم (تحالف الشعب: «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»). غير 321 نائباً، ما يعني أنه يحتاج إلى موافقة 39 نائباً من المعارضة لإصدار مثل هذا القرار.
أما المعارضة المتعجلة لفرض إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة هذا العام على أمل الاستفادة من الزخم الشعبي المؤيد لها. وفق ما أظهرته نتائج الانتخابات البلدية، فهي في حاجة إلى دعم الحزب الحاكم ونوابه لهذه الدعوة. ومثل هذا الدعم يعد من قبيل المستحيلات، لأن الحزب الحاكم يخشى من خسارة تلك الانتخابات ويصرّ على إجرائها في موعدها المقرر عام 2028.
فالدعوة لإجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها تتم، وفق الدستور الحالي، بأحد طريقين.. إما أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار قرار رئاسي بإجراء انتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية، وهذا مستحيل لسببين. أولهما أن اتخاذ الرئيس مثل هذا القرار سوف يمنعه، دستورياً، من خوض انتخابات الرئاسة الجديدة. وهذا ما يرفضه أردوغان الذي يطمح لتجديد رئاسته لولاية رابعة جديدة. أما الطريق الثاني فهو من خلال موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، وهذا أمر لا تملكه المعارضة التي تفتقر إلى ذلك. ومن المستحيل تحقيق ذلك من دون مشاركة نواب من الحزب الحاكم الذي يرفض بدوره مثل هذا التوجه.
هذه المعضلة دفعت الطرفين، الحكم والمعارضة، للعمل من أجل إنجاح ما يأمله. ففي الوقت الذي عمل فيه زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري «أوزغور أوزال» على استفزاز الرئيس أردوغان ودفعه إلى الاضطرار للقبول بدعوة الانتخابات المبكرة، كان الرئيس أردوغان يبحث مع حليفه دولتي بهشلي زعيم حزب الحركة القومية لإيجاد السبيل لفرض خيار الدستور الجديد الذي يمكن من خلاله تمكين أردوغان من الترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية، ووجد بهشلي مخرجاً لذلك في استقطاب العدد الكافي من نواب المعارضة لتوفير النصاب القانوني لإلغاء الدستور وصياغة الدستور الجديد الذي يريده أردوغان ويراه «ضرورة من أجل مستقبل تركيا».
المخرج الذي توصل إليه بهشلي هو التوجه إلى زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في محبسه باتخاذ قرار بحل هذا الحزب المتهم بالإرهاب. وفي حالة حدوث ذلك سيتم إجراء مصالحة وطنية وإنهاء المشكلة الكردية، وهذا من شأنه تحقيق مكسبين. الأول خلق حالة وطنية داعمة للرئيس وحزبه إذا ما نجح في تحقيق الاستقرار السياسي. والثاني تحفيز النواب الأكراد خاصة نواب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» للتضامن في البرلمان مع التحالف الحاكم. والتصويت لتأييد دعوة إلغاء الدستور واستبداله بدستور جديد يؤمن لأردوغان مسعاه في التجديد الرئاسي.
فقد دعا بهشلي في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى «كسر عزلة أوجلان والسماح له بالحضور إلى البرلمان والحديث خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، وإعلان حل «حزب العمال الكردستاني» وترك سلاحه وانتهاء الإرهاب في تركيا».
وجاء الحدث السوري ليحدث انقلاباً هائلاً في توازن القوى بين الحكم والمعارضة. حيث ظهر الرئيس أردوغان بأنه صاحب الفضل في إسقاط نظام بشار الأسد، وإحداث التغيير في سوري. وفتح باب عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وفتح أبواب سوريا أمام الشركات التركية ضمن عملية إعادة الإعمار. وهذا كله يصب في مصلحة حل أهم مشكلتين كانت تستغلهما المعارضة في النيل من مكانة أردوغان والدعوة إلى تغييره.: اللاجئون السوريون والأزمة الاقتصادية.
لكن الأهم أن الحدث السوري فتح أبواب حل الأزمة الكردية التركية وأقنع عبد الله أوجلان بالتوصية بحل حزب العمال الكردستاني. وامتد الأمر إلى الجناح السوري لهذا الحزب أي «قوات سوريا الديمقراطية»، التي اتخذت قراراً بالاندماج في النظام السوري الجديد. ومن ثم باتت الفرص متاحة أمام أردوغان ليتربع على عرش تركيا.