«الموالح والطوالح والليالي السود».. تقسيمة فصل الشتاء قديما
دعاء رحيل
ارتبط فصل الشتاء بالعديد من الممارسات والثقافات اليومية التي ابتكرها المصريون وتفاعلوا معها، إذ قسموا شهور الشتاء وأطلقوا على كل قسم منه اسما منفصل «20 ليلة بيض» و«20 ليلة سود» هي المربعينية الشتوية. لا يزال كبار السن من الأهالي يحفظون هذه التقسيمة لما لها من دلالات هامة، كما أنهم يعتمدون عليها في الزراعة والحصاد أيضا، قبل دخول الأرصاد الجوية والتكنولوجيا الحديثة بشكل عام.
ليالي الشتاء
قسم المصريون الأيام التي تشهد انخفاضًا ملحوظًا في درجات الشتاء والبرودة في مصر إلى 40 ليلة، تبدأ هذه الليالي من 25 ديسمبر وتستمر حتى 20 فبراير، وتم تقسيمها إلى 20 ليلة بيض و20 ليلة سود، ويغلب على الليالي البيض موجات من الصقيع والبرودة في الليل، وتكون قليلة في تكون السحب والغيوم، وتسقط خلالها الأمطار كما تكثر فيها العواصف، ويكثر فيها نزول الندى أو “الشبورة”، ويباغت الناس البرد أغلب ساعات النهار والليل.
كما تُقسم الليالي البيض إلى عشرة ليالي تسمي “الكوالح” ويظهر معني كوالح جمعًا لكلمة كالح وتعني وصف الوجه شديد العبوس من الضيق أو الذي بدت أسنانه عن العبوس من شدة التأثر بالبرد، وتبدأ الكوالح من يوم 25 ديسمبر حتى 3 من شهر يناير، أما العشرة ليالي التي تسمى “الطوالح” ومفردها طالح ومن معانيها المُعيي، فكان يقول العرب ناقة طليحُ أسفارٍ، وذلك إذا جَهَدَها السيرُ وهَزَلها، وتبدأ الطوالح من 4 من شهر يناير حتى 13 يناير.
أما الليالي السود، فقد سميت بالسود من شدة البرودة وتجمع الناس في الريف حول مواقد النار للتدفئة، وتنقسم إلى: عشرة ليالي تسمى”الموالح” وهو وصف لتلك الأيام ويعني قبولها، وسميت موالح أي بدا لها طعم كالطعام عندما يضاف له الملح فيجعله مِلحًا أي مقبول وسائغ، وتبدأ من 14 يناير حتى 23 من نفس الشهر، ثم يتبعها عشرة ليالي أخرى تسمى “الصوالح” وتعني البداية لإصلاح الأمر وانتظار الخير أو في معني آخر صَارَت حَسَنة وَزَالَ عَنْها فَسَادها، حيث يبدأ الطقس في التحسن نسبيًا عن أيام الطوالح، وتبدأ من 24 يناير حتى 2 من فبراير، وكان المصريون يتفاءلون بالليالي السود بالرغم من اسمها.
وهناك مثل قديم يقول “في الليالي السود يفتح كل عود”، وهو يشير إلى أن تلك الفترة تبدأ جذور النباتات في الإنبات استعدادا لدخول فصل الربيع وموسم الحصاد، وتظهر الزهور الخاصة بالنباتات التي تواصل بعد ذلك نموها في فصل الشتاء، ثم تنتهي الأربعينية.
العزازة وقرة العنز
يتبع الأربعينية أو الأربعين ليلة السابق ذكرهم، عشرة ليالي تسمى “العزازة”، وتوصف بأنها ليالي متقلبة، وتبدأ من 2 فبراير حتى 11 فبراير، وتمتاز بتقلب الجو ما بين البرودة والدفء، ثم تأتي بعدها ليال ثلاث تسمى “قرة العنز” وسميت بهذا الاسم نسبة إلى ما يحدث للعنزات من ضرر نتيجة شدة البرودة، حيث كان الفلاحون والبدو يخسرون كثيرًا منها بسب البرد الذي لا تحتمله وتموت، ويكون الطقس في هذه الليلات الثلاث شديد البرودة، وتنتهي في 14 فبراير موجات البرد القارص.
ثم تأتي بعد ذلك أيام الحسوم أو الحسومات، وهي الفترة التي يبدأ فيها الغبار والأتربة، وتبدأ من 10 من شهر مارس وتستمر حتى 17 من نفس الشهر، وتمتاز بزيادة سرعة الرياح وهبوبها في هذا التوقيت، وتبدأ خلالها عملية تلقيح الأشجار والنباتات والزهور، قبل دخول فصل الربيع المبهج.
قد لا يعرف كثيرين خاصة من فئة الشباب هذه التسميات، بالرغم من أنها مازالت في وجدان الأجداد وكبار السن لاسيما في الريف والبيئة البدوية، حيث كانت تقويمًا يتم ضبط مواعيد الزراعة عليه مثل بذر البذور والحصاد، ومعرفة مواعيد سقوط الأمطار، وكانت تلك التقسيمات ناتجة عن خبرات وسنوات طويلة، وذلك قبل ظهور الأرصاد الجوية والتكنولوجيا الحديثة.