بحر العريش وعيد أربعاء أيوب…أهم أعياد بادية سيناء وبلاد الشام
كبار السن يقدِّسون هذا اليوم حتى الآن.. ويتردد عليه المرضى والمصابون بالعقم وطالبو الأمنيات
الموروث الشعبي القديم عن قصة أيوب وناعسة يؤكد أن شفاءه ببحر العريش
حاتم البلك
قبيل غروب شمس الثلاثاء الذي يسبق شم النسيم من كل عام، يتوافد أصحاب الحاجات ممن يؤمنون بيوم «أربعاء أيوب» على شواطئ مدينة العريش؛ بحثًا عن أمنية يرجون تحققها، «شفاء من مرض عضال، أو إنجاب طفل تأخر بعد سنين من الزواج، أو سعة في رزق بات ضعيفًا أو شارف على الاختفاء».
عادة لم يستطع أحد من كبار السن أو خبراء التراث تحديد بداية احتفال الناس بها، إلا أنها طقس مرتبط بنبي الله أيوب، الذي سكن شواطئ «أبي صقل» منطقة الصيادين، والتي ما زالت قائمة على نفس النشاط إلى يومنا هذا.
سبع مرات من الغوص والاغتسال بمياه البحر لحظة الغروب، مع استحضار كامل للأمنية المرجوة، والدعاء طلبًا للاستجابة هو كل ما يحتاجه ويفعله أصحاب الأماني، هكذا بدأ حسن إبراهيم، خبير التراث السيناوي، مؤكدًا تراجع الاحتفال خلال السنوات الماضية؛ لأسباب تتعلق بالأوضاع الأمنية غير المستقرة، وأضاف قائلا: «رغم تراجع المشاركة في الاحتفال إلا أن كبار السن لا يفقدون حماسهم للذهاب إلى شواطئ البحر، ويحرصون على مشاركة الأبناء في هذه العادة التي يؤمنون بها، ويحكون عن سيدات تخلصن من العُقم، وصار لهن أكثر من ولد بعد طول انتظار، ومرضى فازوا بالشفاء الكامل من أمراض لم يكن يُرجى لها شفاء، وفقراء أغناهم الله بعد اغتسالهم بماء البحر في «أربعاء أيوب».
«اللي ما يغتسل بأربعاء أيوب جسمه يفنى ويدوب»، قول مأثور لدى العامة من سكان العريش، بدأت به عائشة سالم، سبعينية، التقيناها هناك، وراحت تعدد فوائد ماء البحر وأربعاء أيوب، قائلة: «وعينا على الدنيا، ووجدنا الآباء والأجداد وسكان سيناء من البدو والحضر يحرصون على التواجد على البحر، وأداء هذه العادة تبرُكًا بسيدنا أيوب الذي شفاه الله هنا وبنفس الطريقة، هو نبي سكن أرضنا، ونزل بحرنا، واغتسل به مناجيًا ربه، فاستجاب له وشفاه، وهو تمامًا ما نفعله معلقين كل آمالنا على رب كريم، كثيرًا ما استجاب لأناس أعرفهم ويسر لهم أحوالهم».
جرت العادة على اصطحاب الأهالي مرضاهم، والنزول إلى مياه بحر العريش لحظة غروب الشمس يوم الثلاثاء، والانتظار والمكوث في مياه البحر حتى مرور سبع موجات متتالية من البحر عليه، وذلك وفقا للمعتقدات السائدة أن النبي أيوب ظل في البحر حتى مرور سبع موجات متتالية على جسده الطاهر،.
وهو ما يؤكده الخبير في التراث السيناوي الدكتور قدري الكاشف، مدير إدارة السياحة السابق بشمال سيناء، لمجلة صوت القبائل العربية والعائلات المصرية؛ حيث أضاف أن القصة من التراث الشعبي السيناوي، وترجع إلى قصة سيدنا أيوب التي وردت في القرآن الكريم في عدة سور وآيات، لكن القصة التي توارثها أهالي سيناء أن النبي أيوب عليه السلام حينما ابتُلي بالمرض العضال، وطالت المدة أكثر من 40 عاما انتقلت به زوجته “ناعسة” إلى سيناء، وخاصة شاطئ بحر العريش، وتركته زوجته على الشاطئ، ومضت وأخذت تبحث على الشاطئ، وعندها غمرت أمواج البحر المتوسط الشاطئ، وغطت جسد النبي أيوب، وبعد مرور سبع موجات متتالية شفي نبي الله أيوب من مرضه العضال في الحال، عقب اغتساله في بحر العريش، وكان ذلك في وقت غروب شمس يوم الثلاثاء أي في ليلة الأربعاء التي تسبق يوم شم النسيم.
من جانبه قال خبير التراث السيناوي صلاح البلك: إنه ومع مرور الوقت أصبح كل من له أمنية، أو مطلب، أو حاجة، ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر، فينزل البحر في ذلك اليوم المرضى والسيدات اللاتي يطلبن من الله الشفاء أو الحمل أو الزواج أيضا.
وأكد البلك أن بعض المدن في بعض الدول العربية في الشام المطلة على البحر المتوسط، تحتفل وتزعم أن شفاء النبي أيوب كان في مدنهم، خاصة مدينة بيروت عاصمة لبنان، ولها طقوس خاصة بذلك اليوم، وكذلك مدينة اللاذقية الساحلية في سوريا أيضا تشترك معنا في الاحتفال بذكرى أربعاء أيوب.
يتنازع العرب على سواحل البحر المتوسط على أن القصة وقعت على أرضه، وعلى شواطئه سواء في العريش في مصر، أو بيروت في لبنان، أو اللاذقية في سوريا، ولكنهم يجمعون على صدق الواقعة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ولكن الذي يعزز صدق الروايات أن القصة والأحداث وقعت في مصر وسيناء والعريش تحديدا، ما ذكره زكريا الحجاوي في التراث الشعبي المصري عن قصة أيوب وناعسة في مصر.