تاريخ قبائل القوط قبل وبعد الفتح الإسلامي.. وهذا سر انقسامهم
أسماء صبحي
قبائل القوط هي قبائل جرمانيّة شرقيّة، وأرجح الآراء أنهم قدموا من إسكندنافيا إلى قارة أوروبا، وتحديدًا إلى وسطها وشرقها وجنوبها. حيث قاموا بمحاولة غزو الإمبراطورية الرومانية حوالي القرن الثالث. وبالتعاون مع بعض قبائل البرابرة الأخرى عملوا فعلًا على إسقاط روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية.
كانت قبائل القوط من أوائل الشعوب ذات الأصل الجرماني التي اعتنقت المسيحية. وكان للقوط تأثير قوي في تاريخ أوروبا السياسي والثقافي. وينقسم القوط إلى قوط شرقيين وقوط غربيين. وتكلّم القوط اللغة القوطية، وهي إحدى اللغات الجرمانية الشرقية المندثر.
في القرن الميلادي الأول هاجرت قبائل القوط جنوبًا إلى بولندا ثم استقروا في كرواتيا. وفي القرن الميلادي الثاني اتخذوا من مدينة أرهيمار عاصمة لمملكتهم الناشئة. وانضمّ إليهم العديد من القبائل الرعوية المقاتلة، وكان لهم هيبة ورهبة بين القبائل.
انقسام قبائل القوط
في القرن الثالث انقسم القوط الي فرعين أساسيين: القوط الشرقيين والقوط الغربيين. وفي القرن الرابع اعتنق معظم القوط المسيحية واتخذوا الآريوسية مذهبًا لهم. ثم في القرن الخامس معظم اعتنق القوط المذهب الكاثوليكي، وقد سيطروا على شبه جزيرة إيبيريا. وأقاموا حضارة مملكة القوط الغربيين، ويرجح أنها متأثرة قليلًا بالحضارة الرومانية. وحكمت الجزيرة الأيبيرية ثلاثة قرون حتى أوائل القرن السادس الميلادي. وبقيت تتمتع بقوة عسكرية مدربة وقوية، وتوالى على الحكم ستة وثلاثون ملكًا منهم.
كما استقر القوط فترة من الوقت في وادي نهر فيستولا، وبعدها رحلوا تجاه المناطق إلى جنوبي شرق أوروبا. وهناك تقاتلوا مع الصقالبة الذين عاشوا في تلك الأراضي الواقعة بين بحر البلطيق والبحر الأسود. ثم مكثوا مدة من الزمن في مكان يدعى سكثيا. كما عمل القوط الشرقيون الذين بقوا في مكانهم على تأسيس مملكة ذات تأثير وقوة قرب شواطئ البحر الأسود. وعرفت بمملكة القوط الشرقيين.
توحّدت مملكتي القوط لفترة قصيرة بقيادة ملك واحد حوالي أوائل القرن السادس. وهو الملك القوطي الشرقي القوي ثيودوريك العظيم. والذي أدمج مملكة القوط الغربيين ضمن مناطق حكمه فترة تزيد عن حوالي العقدين.
غزو القوط لروما
بعد أن استوطن جزء من القوط في منطقة داسيا بالمجر سنة 272 م. تعرّض بعض القوط الغربيين للتهديد من جهة الشرق من القبائل الهونية. فأجبروا على العبور عبر نهر الدانوب لجوءًا إلى ولاية بانونيا الرومانية. فقاموا بثورة ضد الروم واستطاعوا إلحاق هزيمة بالجيش الروماني سنة 378 م وقتلوا فالنس الإمبراطور الروماني آنذاك. وهكذا في سنة 382 م أصبح القوط الغربيون أول شعب مستقل من البرابرة في الإمبراطورية الرومانية.
عملوا بعد ذلك على غزو الجزيرة الإيطالية بقيادة ألارك فنهبوا مدينة روما سنة 410 م. وبعد ذلك انتقل أتباع ألارك إلى بلاد الغال”فرنسا” وأسبانيا. لكنهم هزموا هناك بواسطة قبائل الفرنجة “الفرنسيين”، إلا أنهم مكثوا في حكم إسبانيا حتى عام 711م.
أما القوط الشرقيون أواخر القرن الرابع فقد هزمتهم القبائل الهونية. ثم عاشوا تحت حكم الهونيين حتى وفاة الملك الهوني أتيلا القوي سنة 453 م. ثم انتقلوا إلى وسط قارة أوروبا وقام الملك القوطي ثيودوريك باحتلال إيطاليا سنة 493 م. واستمرّ القوط الشرقيون يحكمونها حتى هزيمتهم على يد الإمبراطورية البيزنطية سنة 550 م.
مملكة القوط الشرقية
أسسها القوط الشرقيون في إيطاليا قلب أرض الرومان وما جاورها خلال الفترة بين 489 و553 م. وذلك بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، وقد وصلت هذه المملكة أقصى مساحة لها في عهد الملك ثيودوريك العظيم. بعد ذلك سقطت على يد الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو البيزنطية رغم المحاولات المستميتة من قبل القوط للدفاع عنها.
كلا الفرعين للقوط قد انخرطوا في فترات من الحروب الكبيرة مع روما، وكلاهما غزا إيطاليا ووصَلا إلى روما. وقد كان الغزو القوطي الغربي لروما أسبق من الغزو الشرقي، لكن الذين أسقطوا الإمبراطورية الرومانية هم القوط الشرقيين. ثم تزايد تأثير وقوة قبائل الهون على أوروبا الشرقية حوالي القرن الرابع وتحديدًا في سنة 370 م. فدخل القوط الشرقيين تحت حكمهم، ثم في العقود التالية استقر بعض القوط الشرقيون في مناطق البلقان. إلا أنهم كانوا يحاربون مع الهون ولصالحهم، فلا حق لهم بالسيادة على الأراضي التي قطنوا فيها.
استطاع القوط الشرقيون انتزاع الاستقلال من الامبراطورية الهونية عقب وفاة حاكمها أتيلا. وقد هزم القوط أبناءه وأعوانهم في معركة نيداو الشهيرة سنة 454 م. فانتقل القوط الشرقيون للاستقرار في أراضي ولاية بانونيا بعد منتصف القرن الخامس. وقد وصل القوط الشرقيون إلى مراكز سياسية وثقافية وعسكرية على مستوى عالي في جنوب وشرق قارة أوروبا تشبه كثيرًا ما وصل إليه الغربيون.
لكن قبل ذلك بقرن كما فعل القوط الغربيون من قبل، فقد هاجروا غربًا عبر القارة الأوروبية من شرقها. فاخترقوا وسط الإمبراطورية الرومانية. ورغم أنهم ظلوا قرنين من الزمن يطلبون أن تسمح لهم روما بالدخول في أراض الإمبراطورية للاستقرار في بعض أراضيها الفارغة. والتي لطالما شاركوا سابقًا في الدفاع عنها بكل جدية ونشاط.
مملكة قبائل القوط الغربيين
تمكن القوط الغربيون من الاستقرار غرب أوروبا حوالي سنة 409 م. ثم قام الفاندليون بمساعدة بعض القبائل الجرماني باحتلال شبه الجزيرة الأيبيرية وجنوب بلاد الغال أو فرنسا. وقد كانت أراض تابعة أنذاك للإمبراطورية الرومانية. فتحرك القوط الغربيون بناءً على اتفاق سابق بينهم وبين الرومان. فاستطاعوا تحرير هذه المناطق واستوطنوها، وكان استقرار القوط في مدينة أكويتانيا بداية لتأسيس مملكة القوط الغربيين. حيث امتدت مسافات واسعة بمحاذاة جبال البرانس، لاحقًا استطاع الملك إيورك أحد أهم الملوك في تاريخ القوط. بتوحيد القبائل القوطية الغربية التي كانت مختلفة فيما بينها. وثاروا ضد الحكم الروماني، وقد استطاع انتزاع اعتراف باستقلال كامل للمملكة الوطية الغربية سنة 475م. إلا أنه بعد خسارة القوط معركة فوييه ضد الفرنجة، فقد خسروا أراضيهم السابقة في أكويتانيا. كما قتل قائدهم ألاريك الثاني، وهكذا اضطروا إلى نقل عاصمتهم من إلى برشلونة ثم لاحقًا إلى طليطلة.
كانت مملكة القوط الغربيين هي الأخيرة من ممالك البرابرة الذين خلفوا الإمبراطورية الرومانية بعد سقوطها. وقد تمت عملية استيطان القوط الغربيين في إسبانيا أواخر القرن الخامس الميلادي. وظلوا يشكلون أقلية بين السكان، حيث تقُدر نسبتهم بحوالي واحد إلى ثلاثة من الإسبانيين. وقد كان نظام الحكم ملكيًا انتخابيًا وليس وراثيًا، ويتم اختيار الملك من النبلاء ويختاره رجال الدين والنبلاء. إلا أنه جرت العادة بأن يتولى العرش أقواهم بحد السيف، وكان الملك ذو صلاحيات واسعة. وله مجلس من النبلاء يساعدونه في الحكم، ولكن بعض الملوك استبدوا بالحكم وهمشوا دور هذا المجلس.
الفتح الإسلامي للمملكة القوطية
في عام 711 فيما يعرف بفتح الأندلس. غزا القائد المسلم طارق بن زياد شبه الجزيرة الأيبيرية بجيش من المسلمين في الوقت الذي كان ملك القوط يقاوم فيه ثورة البشكنس في الشمال. وتشير المصادر الإسلامية إلى أن أعداء الملك هم من دعو المسلمين لإحتلال إسبانيا. واستولى المسلمون على معظم أراضي جنوب إسبانيا وواصلوا طريقهم للاستيلاء على طليطلة. حيث أعدموا العديد من نبلاء القوط، ثم غزوا شمال البلاد مستولين على سرقسطة وليون. التي كانت لا تزال تحت حكم الملك القوطي أردو عام 714، وبحلول عام 716 كانت معظم أراضِ المملكة القوطية الغربية تحت الحكم الإسلامي. ولم تكن هناك مقاومة فعلية إلا في أستورياس من قبل أحد النبلاء القوط الذي يدعى بلاي عام 718. والذي تحالف مع البشكنس وهزم المسلمين في معركة كوفادونجا. فنتجت عنها ممالك أيبيرية مسيحية قامت في النهاية باسترداد أيبيريا من الحكم الإسلامي.