الطوارق شعب الصحراء الأزرق.. تاريخ من الحرية والاعتزاز

تستوطن قبائل الطوارق مناطق شاسعة تمتد عبر الصحراء الكبرى، حيث يعيشون في جنوب الجزائر وأزواد شمال مالي وشمال النيجر وجنوب غرب ليبيا وشمال بوركينا فاسو، يتمسكون بتراثهم العريق وهويتهم الثقافية المتجذرة في عمق التاريخ، يتحدثون اللغة الطارقية بلهجاتها الثلاث، تماجق وتماشق وتماهق، ويعتنقون الإسلام الذي يشكل جزءًا أساسيًا من ثقافتهم.
من هو شعب الطوارق
يعرف الطوارق بلقب الرجال الزرق بسبب ملابسهم الزرقاء التي ترمز للحرية، إذ يعشق الرجل الطرقي حياة الترحال والاستقلال، كما يستخدمون صبغة النيلة على بشرتهم لحمايتها من الحشرات والناموس، وعلى عكس العديد من المجتمعات، يلتزم رجال الطوارق بتغطية وجوههم بلثام أبيض طوله يصل إلى اثني عشر مترًا، بينما تظهر النساء وجوههن دون قيود.
تحظى المرأة الطوارقية بمكانة متميزة، فهي صاحبة القرار الأول والأخير في شؤون العائلة، ولا تجبر على الزواج، بل توافق عليه بحرية تامة، وتُعرف بامتلاكها استقلالية كبيرة، حتى إن الزوج ينتقل للعيش معها في بيتها، ولها الحق في الزواج والطلاق وفق إرادتها دون أي تدخل.
يعيش الطوارق شعب أمازيغي الأصل حياة الترحال في الصحراء الإفريقية الممتدة بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، وقد أطلق عليهم البعض اسم الشعب الأزرق بسبب لباسهم التقليدي النيلي اللون، غير أن أصول تسميتهم محل خلاف بين المؤرخين، فمنهم من نسبها إلى القائد الإسلامي طارق بن زياد، بينما يرى آخرون أنها تعود إلى وادي تاركة في ليبيا، حيث تقطن أعداد كبيرة منهم.
عبر العصور تعرض الطوارق للشتات والتقسيم بسبب الاستعمار، خاصة الاستعمار الفرنسي الذي رسم حدودًا جغرافية فصلت مناطقهم دون مراعاة لوحدة القبائل، ومع ذلك، حافظوا على تقاليدهم وشجاعتهم الفريدة التي جعلتهم خبراء في دروب القوافل الصحراوية، حيث اشتهروا بمهاراتهم في القتال وحمل السكاكين والسيوف والرماح، كما يتميزون بقدرتهم الفائقة على التحمل في ظل الظروف الصحراوية القاسية ومعرفتهم بمصادر المياه والاهتداء بالنجوم ليلًا.
انقسامهم
تنقسم قبائل الطوارق إلى عدة فروع تنتشر عبر الصحراء الكبرى، فهناك “كل تماشق” الذين يتواجدون في الجزائر وليبيا، ويتفرعون إلى قبائل “كل أهغار” و”كل أجر”، وفي النيجر توجد قبائل “كل أيير” و”كل غريس” و”أولمدن كل دنيك”، بينما تقطن قبائل “كل أتاريم” و”كل تادمكت” و”كل السوق” و”كل آدغاغ” و”كل أنتصر” في مالي، ورغم تنوعهم، تجمعهم ثقافة موحدة تقوم على الترحال والفروسية والولاء للعشيرة.
أما ش شذمساكنهم، فيعيش بعضهم في خيام مصنوعة من الجلد وشعر الماعز، بينما يقطن آخرون بيوتًا طينية توفر لهم حماية من حرارة الشمس الحارقة والمناخ الصحراوي القاسي، ويتمتع مجتمع الطوارق بعادات فريدة، من أبرزها ارتداء الرجال اللثام منذ بلوغهم سن الرشد، حيث يلازمهم طوال حياتهم، ويغطي الوجه بالكامل ما عدا العينين وأحيانًا الأنف والفم، على عكس النساء اللواتي يكتفين بتغطية شعرهن بقطعة قماش سوداء.
اختلفت التفسيرات حول أصل عادة اللثام، فالبعض يربطها بحماية الوجه من الشمس والعواصف الرملية، بينما يرى آخرون أنها تعبر عن الحشمة والاحترام تجاه الأهل والأصهار، أما المرأة الطوارقية فهي صاحبة القرار في حياتها، تختار زوجها بنفسها، وعند الطلاق تحتفل بهذه المناسبة وسط القبيلة، إذ يُنظر إليها باعتبارها امرأة حرة مستقلة، بل إن تعدد زواجها وإنجابها وطلاقها يعد مصدر فخر، حيث يُنظر إليه على أنه مساهمة في إنجاب مقاتلين أقوياء للدفاع عن القبيلة.
بعد استقلال الدول الإفريقية عن الاستعمار الفرنسي في منتصف القرن العشرين، دخل الطوارق في صراعات سياسية مع بعض الحكومات، مطالبين بحقوقهم المدنية والسياسية، ومع ذلك، ظلوا أوفياء لتراثهم وتاريخهم، متمسكين بحريتهم التي ورثوها عن أجدادهم، ليبقوا أحد أكثر الشعوب ارتباطًا بالصحراء وأسرارها.