حوارات و تقاريرسياسة واقتصاد القبائل

ما مدى تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على صناعة الأسلحة في العالم؟

دعاء رحيل
يبدو أن المستثمرين والدول بدأوا في تغيير نهجهم المتَّبع تجاه تمويل صناعة الأسلحة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
 
سلَّطت صوفيا كراديما، الباحثة البارزة في شؤون الاستثمار والخدمات المالية والتجارية، الضوء على تأثير غزو روسيا لأوكرانيا في توجُّهات الاستثمار في صناعة الأسلحة. وذلك في تحليلها المنشور على موقع «آرمي تكنولوجي».
 
استهلت الباحثة تحليلها بالتنويه إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا أجبر مؤسسات الاستثمار ومجتمع الاستثمار الأجنبي المباشر وعدد من حكومات الدول على إعادة التفكير في نهجهم المتَّبع تجاه تدعيم صناعة الدفاع. وكان مجال الاستثمار هذا محرَّمًا على المستثمرين ذوي الوعي الاجتماعي بالبيئة والحوكمة، إذ يتطلع كثيرون منهم إلى سحب استثماراتهم من شركات الأسلحة أو التخلص من الأسلحة المثيرة للجدل من مَحافِظهم الاستثمارية في السنوات الأخيرة، وهو الوضع الذي تفاقم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
 

صناعة الأسلحة.. تصفية المَحافِظ الاستثمارية

تلفت الكاتبة إلى أن صندوق التقاعد الحكومي في النرويج أعلن، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أنه لن يتعامل بعد الآن مع الشركات التي تُصنِّع أنواعًا معينة من الأسلحة ذات التدمير الشديد. وهذا بدوره أدَّى إلى سحب الصندوق التقاعدي الحكومي النرويجي استثماراته من 14 شركة تتخصص في صناعات الأسلحة والدفاع والطيران والحروب الإلكترونية وهي: شركة «بابكوك الدولية» الأمريكية لصناعات الأسلحة والدفاع وشركة «بناء السفن الصينية»، وشركة «داسو للطيران» الفرنسية، وشركة «أنظمة إلبيط» الإسرائيلية، وشركة «جنرال داينمكس» الأمريكية لصناعات الأسلحة والدفاع، وشركة «كيلوج براون آند روت» المتخصصة في صناعات الطيران والدفاع، وشركة «تكنولوجيز إل3 هاريس» الأمريكية، وشركة «لارسن آند توبرو» وشركة «ليدوس القابضة» وشركة «ليدوس» وشركة «ليوناردو» وشركة «رايثيون» وشركة «رولز رويس» ومجموعة «تاليس».
 
وخلُصت دراسة استقصائية أجرتها إذاعة سويسرا العالمية (موقع سويس إنفو) إلى أن معظم صناديق المعاشات التقاعدية في سويسرا تتجنب كذلك الاستثمار في تجارة الأسلحة. وأفادت ثمانية صناديق، من بين 11 صندوقًا للمعاشات التقاعدية شاركت في الاستطلاع من دون الإفصاح عن أسمائها، أنها لا تستثمر في الشركات المصنعة لـ «الأسلحة المثيرة للجدل، ويشمل ذلك تلك الشركات التي تصنِّع القنابل العنقودية والألغام المضادة للأفراد وأسلحة الدمار الشامل»، في حين أن الصناديق الثلاثة الأخرى لم تُقدِّم أي معلومات بشأن هذه المسألة.
 
وتلفت الكاتبة إلى أن صناديق المعاشات التقاعدية في الولايات المتحدة تعرَّضت أيضًا على مدار السنوات القليلة الماضية لضغوطٍ لمراجعة مَحافِظها الاستثمارية وتصفية استثماراتها من صناعة الأسلحة، وكان ذلك غالبًا في أعقاب عمليات إطلاق نار جماعية حدثت في الولايات المتحدة.
 

انسحاب كلي أم جزئي من صناعة الأسلحة؟

تنوه الكاتبة إلى أنه في الوقت الذي استبعد فيه بعض المستثمرين قسم «الأسلحة ذات التدمير الشديد» من مَحافِظهم الاستثمارية، فقد انسحب مستثمرون آخرون من صناعة الأسلحة والدفاع أو تجارة الأسلحة تمامًا. ومع ذلك، أدَّى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تغيير نظرة بعض مؤسسات الاستثمار، خاصة في الدول التي قد تشعر بأنها معرَّضة لتهديد أكبر مما كانت عليه قبل العدوان الروسي.
 
وقررت شركة «صناديق السويد الاستثمارية» لإدارة الاستثمار في السويد، عكس مسار سياسة الاستدامة الخاصة بها والسماح لبعض أموالها بالاستثمار في شركات الدفاع. وبصورة أكثر تحديدًا، سيُسمح لبعض الصناديق، التي تستثمر في الأسهم وسندات الشركات، بالاستثمار في صناعة الأسلحة والدفاع، لكن جميع الصناديق الاستثمارية ستواصل استبعاد ضخ استثمارات في الشركات التي تُصنِّع الأسلحة التي تنتهك الاتفاقيات الدولية أو الشركات التي تعمل على تطوير تلك الأسلحة أو بيعها، أو الشركات الأخرى التي تشارك في تطوير برامج الأسلحة النووية.
 
واستدركت الكاتبة قائلةً: ومع ذلك، لم يُغير مجتمع الاستثمار وحده منهجه المتَّبع تجاه صناعة الأسلحة والدفاع، بل إن عديدًا من الدول غيَّرت رؤيتها تجاه صناعة الدفاع خلال الشهر الماضي. إذ غيَّرت ألمانيا سياساتها المتعلقة بإرسال أسلحة إلى مناطق النزاعات، بالتزامن مع تأكيد المستشار الألماني أولاف شولتز أن بلاده ستزود أوكرانيا بهذه الأسلحة. وأوضح شولتز أيضًا أن ألمانيا ستضخ مزيدًا من الاستثمارات في قطاعي الدفاع والعسكري، معلنًا عن خطط لزيادة الإنفاق على هذين القطاعين إلى أكثر من 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي.
 
وبالمثل، غيَّرت السويد نهجها المتَّبع فيما يتعلق بتزويد مناطق الحروب بالأسلحة، وأرسلت إلى أوكرانيا مؤنًا ميدانية وخوذات وسترات واقية وقاذفات مضادة للدبابات تستخدم لمرة واحدة. وصرَّحت ماجدالينا أندرسون، رئيسة الوزراء السويدية، أن هذه هي المرة الأولى التي تُرسل فيها السويد أسلحة إلى دولة في حالة صراع مسلح منذ أن هاجم الاتحاد السوفيتي فنلندا في عام 1939.
 

الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعة الأسلحة

ألمحت الكاتبة إلى أنه في ظل تزايد المخاوف الأمنية حول العالم، بات الاستثمار في صناعة الأسلحة والدفاع خيارًا ثابتًا على أجندة أي مستثمر. وتُظهر قاعدة بيانات مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر التابعة لشركة «جلوبال داتا» أن هناك 68 مشروعًا من مشروعات الدفاعي التي أُعلِن عنها أو افتُتِحت في عامي 2019 و2020. وكانت الدول الأكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الدفاع هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وباكستان وأوكرانيا وفنلندا والهند وبلجيكا وبولندا وهولندا.
 
 

عدد المشروعات التي افتتحت أو أعلن عنها في عامي 2019، 2020

 
توزيع مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الدفاعي حسب الدولة وجهة الصادرات
 
وتبين البيانات الموضَّحة آنفًا أن معظم الاستثمار الأجنبي في صناعة الأسلحة والدفاع قد ذهب إلى قطاع «الفضاء والدفاع المتنوعين»، تليها في المرتبة الاستثمار في المركبات العسكرية القتالية والأسلحة والذخيرة. وتوزَّع 21 مشروعًا متنوعًا للفضاء والدفاع على كل من أستراليا وبلجيكا وكندا وفنلندا وألمانيا والهند وكينيا وهولندا وباكستان وإسبانيا والإمارات وأوكرانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
 
ونوهت الكاتبة أن الدول التي اجتذبت مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في المركبات القتالية العسكرية في عامي 2019 و2020 كانت أستراليا وتشيلي وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان والفلبين ورومانيا وسريلانكا وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفيتنام. أما فيما يتعلق بقطاع الأسلحة والذخيرة، فقد أُعلن عن بعض من مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر أو افتُتِحت في أستراليا وبلجيكا والبرازيل والهند وبولندا وتركيا والإمارات والولايات المتحدة.
 
وأشارت الكاتبة إلى أن معظم المؤسسات الاستثمارية، التي أطلقت مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر في مجالات جديدة في قطاع الدفاع، تنتمي إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإسرائيل والهند وإيطاليا.
 
واختتمت الكاتبة أن الغزو الروسي لأوكرانيا غيَّر قواعد اللعبة، مما دفع المستثمرين إلى إعادة التفكير في سياساتهم عندما يتعلق الأمر بقطاع الدفاع. ومع ذلك، فقد تسبَّب الغزو أيضًا في إحداث تغييرات من ناحية تبني الاستثمار الأخلاقي الواعي بالبيئة والمجتمع والحوكمة. ولم يتبقَّ سوى أن نرى إلى أي مدى سيُصعد الاستثمار الأجنبي المباشر ومؤسسات الاستثمار من لعبتهم الدفاعية في المرحلة التالية لحرب روسيا وأوكرانيا، وهل سيُترجَم ذلك إلى مزيدٍ من التغييرات في حال تعرضهم للتأثر جغرافيًّا وقطاعيًّا.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى