«كارنتينا» طور سيناء.. تاريخ أكبر محجر صحي في مصر
أميرة جادو
اشتهرت طور سيناء بـ«كارنتينا»، وهو حجر صحي للحجاج القادمين لأداء فريضة الحج أثناء تفشي وباء الكوليرا، تم استخدام سيناء كحجر صحى بسبب اعتدال الطقس والرياح المعتدلة وسطوع الشمس طوال العام.
يقع على شاطئ البحر على بعد حوالي ٦٤٠ مترًا جنوبي المدينة، ومساحته تبلع حوالي ٤ كيلومترات مربعة، يحيطه من الغرب خليج السويس، ويحيط به من جهة البرِّ شبكة من الأسلاك مرفوعة على عمد خشبية متينة، علوها نحو أربعة أمتار، وهو محجر مصر العام والحجاج المصريين.
تأسس عام ١٨٥٨م، ولكن لم يتم تنظيمه على الطرز الحديث، وتجهيزه بأحدث المعدات والأدوات الصحية إلَّا بعد صدور الأمر العالي بذلك سنة ١٨٩٣، ومن ذلك الحين أخذ ينمو ويتحسن بهمة وسعي العالم العامل الدكتور روفر «رئيس مجلس الصحة البحرية والكورنتينات بمصر»، ومعونة ناظر المحجر النشيط الحاذق الدكتور زكار يادس بك، حتى أصبح الآن من أكبر المحاجر الصحية وأكثرها إتقانًا في العالم أجمع.
تصميم محجر الطور
وهو على شكل طائر عظيم جثم في البحر وبسط جناحيه في البرِّ، ويتكون من:
- ثلاث أرجل: وهي ثلاث مباخر من أحدث طرز، مُدَّت منها جسور في البحر إلى آخر حدِّ الجرف المرجاني؛ ليتسنى للسفن الصغيرة الاقتراب من البرِّ.
- رأسه: معزل الموبوئين أو مستشفى للأمراض «غير العادية».
- عنقه: أربعة مستشفيات: مستشفى للجراحة وثلاثة للأمراض العادية، وصيدلية كبيرة، ومنازل للأطباء والممرضين والممرضات والعساكر، وبيت المال، ومخزن للكهرباء ينير المحجر كله، وجهاز للتليفون يربط مراكز المحجر الرئيسة بعضها ببعض.
- جناحيه: صفان من «الحزاءات» أو المنازل للحجاج، في كل صف عشرة؛ فالتي إلى اليمين مبنية بالحجر، وقد خصَّت بالحجاج القادمين من جدَّة، والتي إلى اليسار مجهزة بالخيام، وهي للحجاج القادمين من ينبع، وهي تأوي آلافًا من الحجاج في وقت واحد.
- بدنه: بئر عذبة الماء غزيرته تدعى «بئر مراد»، وقد ركِّب عليها وابور لرفع الماء، ومنها يشرب أهل المحجر ومدينة الطور، وحديقة متسعة من النخيل وأشجار الفاكهة، ومنزل لناظر المحجر، ومنزل للمأمور، ومخزن للخيام، ومكتب للإدارة.
وتمر سكة حديد ضيقة من رأسه إلى قدمه، تصعد من البحر من نهاية حد الجرف المرجاني، وتمر بالمباخر والحزاءات وجميع المراكز الرئيسة في المحجر إلى أن تنتهي بمعزل الموبوئين، وخارج المحجر منزل الرئيس وخزانات الماء.
تاريخ محجر الطور
قامت السردارية المصرية بتمديد خط التلغراف إلى مدينة الطور من السويس في عام ١٨٩٧، وأسست مصلحة البريد فيها فرعًا سنة ١٩٠٠، فلما تمَّ نظام المحجر سنة ١٩٠٧ نقل التلغراف والبريد إليه، وجعلا عند مدخله كما ترى في الرسم.
وفي الماضي، كان البريد يحمل بالبر على الإبل، فلما انتظم المحجر وأسست مصلحة البريد فرعًا في مدينة الطور، صارت تمر بها مرة في كل أسبوع باخرة من بواخر الشركة الخديوية في السويس، وذلك في ذهابها إلى سواكن وجدة وفي رجوعها منهما، وفي موسم الحج يساعد على نقل البريد سفينة بخارية خاصة تمخر بين الطور والسويس مرتين في الأسبوع.
كما يأتي للمحجر في موسم الحج خفر داخلي من البوليس من مصر، وخفر خارجي من البوليس وبدو الطورة، وفي نظارة الداخلية في القاهرة قلم للمحاجر المصرية يخص بالعناية محجر الطور، ورئيس هذا القلم الهمام النشيط حسن بك شوقي.
وأمَّا «مجلس الصحة البحرية والكورنتينات» فمركزه الإسكندرية، وسكرتيره العام النبيل المقدام جورج زنانيري باشا، وقد أصدر هذا المجلس في ١٩ فبراير سنة ١٩١٤ إحصاءً عن الحجاج الذين دخلوا محجر الطور من سنة ١٩٠٠ إلى سنة ١٩١٤، فكان عددهم ٣٥٨٣٤١ حاجًّا، وهم:
- ٧٦٠٧٦ عثمانيًّا
- ١٥٢٦٨٣ مصريًّا
- ١٨٧٨٧ جزائريًّا
- ٧٦٧٧ تونسيًّا
- ١١٧٠٩ مراكشيًّا
- ٨٢٢ بوشناقيًّا
- ٦٢٦٨ عجميًّا
- ٧٨٧٨٨ روسيًّا
- ٥٥٣١ من أمم مختلفة
ويؤخذ من هذا الإحصاء: أنَّ الحج اعتُبر نظيفًا من كل داء في كل تلك المدة مرَّتين فقط؛ أي سنة ١٩٠١ وسنة ١٩٠٤، وأنه اعتُبر ملوثًا بالهواء الأصفر في سني ٢ و٨ و١١ و١٢ و١٩١٣، وبالطاعون في السنين الأخرى.
وبلغ عدد المرضى داخل المحجر في تلك المدة ١١١٦٥ حاجًّا، منهم ١٠٩٩٤ أصيبوا بأمراض عادية، و١٦٤ بالهواء الأصفر، و٧ بالطاعون، شفيَ منهم ٨١١٧ وتوفي ٣٠٤٨، وأنَّ أقل عدد دخل المحجر من الحجاج كان في سنة ١٩٠٣، دخله فيها ١١٢٦٦ حاجًّا، وأكبره كان في سنة ١٩٠٧ دخله فيها ٤٣٢٧١ حاجًّا، ودخله هذه السنة ٢٦٤٢٦ حاجًّا.