قبيلة المقارحة تاريخ عريق وتأثير مستمر فى المشهد الليبى
كتبت: شيماء طه
قبيلة المقارحة هي إحدى القبائل العربية العريقة التي تسكن في ليبيا، وتتركز بشكل أساسي في المنطقة الغربية من البلاد ، يعود تاريخ القبيلة إلى قرون مضت، حيث تلعب دورًا بارزًا في الحياة الاجتماعية والسياسية الليبية.
تُعد المقارحة من القبائل الليبية المؤثرة التي حافظت على تماسكها واستمرارية وجودها عبر الزمن، وتحتفظ بعلاقات قوية مع القبائل الليبية الأخرى.
الأصل والتاريخ
تعود أصول قبيلة المقارحة إلى شبه الجزيرة العربية، ويُعتقد أنها هاجرت إلى ليبيا مع موجات الهجرات العربية التي حدثت في فترات زمنية مختلفة. استقرت القبيلة في مناطق متنوعة من ليبيا، لكن الغالبية العظمى من أفرادها يقيمون في مدينة براك الشاطئ وما حولها في الجنوب الليبي.
على مر العصور، شاركت المقارحة في الحروب والمعارك التي شهدتها ليبيا، بما في ذلك الصراعات مع الاحتلال الأجنبي والحروب القبلية التي حدثت في فترات الاضطراب السياسي.
مثل العديد من القبائل الليبية الأخرى، لعبت المقارحة دورًا هامًا في مقاومة الاحتلال الإيطالي (1911-1943)، حيث شارك أفراد القبيلة في المعارك ضد القوات الإيطالية التي حاولت السيطرة على الأراضي الليبية.
الحياة الإجتماعية
تتميز قبيلة المقارحة بنظام اجتماعي قبلي تقليدي يعتمد على الروابط العائلية والقبلية القوية.
كما هو الحال مع العديد من القبائل الليبية، يحكم المقارحة شيخ القبيلة الذي يتمتع بصلاحيات قيادية واسعة. يتم اختيار شيوخ القبيلة بناءً على الحكمة والخبرة والقدرة على حل النزاعات الداخلية والخارجية.
يشكل التعاون والتضامن الاجتماعي بين أفراد القبيلة أساس الحياة القبلية، يُعتبر النظام القبلي في المقارحة أداة فعّالة لحل النزاعات والمشاكل، حيث يعتمد القبيلة على الجلسات العرفية والتشاور لحل الخلافات ، ومن خلال هذا النظام، حافظت المقارحة على هويتها وترابطها الداخلي عبر الأجيال.
الدور السياسى
في العصر الحديث، أصبحت قبيلة المقارحة مؤثرة في المشهد السياسي الليبي، خاصة خلال حكم معمر القذافي (1969-2011).
كانت القبيلة جزءًا من التحالفات القبلية التي دعمت نظام القذافي، حيث ارتبط العديد من أفرادها بمناصب قيادية في الحكومة الليبية. وقد شغل بعض أفراد القبيلة مناصب رفيعة في الجيش والأمن والقطاعات الحكومية المختلفة.
بعد سقوط نظام القذافي في 2011، وجدت القبيلة نفسها في وضع سياسي متقلب، حيث اضطرت إلى إعادة تشكيل علاقاتها السياسية في ظل الفوضى التي عصفت بالبلاد.
وعلى الرغم من التحولات الكبيرة في المشهد السياسي الليبي بعد الثورة، لا تزال قبيلة المقارحة تحتفظ بنفوذها في بعض المناطق، وتسعى إلى الحفاظ على استقرارها الداخلي من خلال إعادة بناء تحالفاتها مع القبائل الليبية الأخرى.
تعاني قبيلة المقارحة، مثلها مثل العديد من القبائل الليبية، من تأثير الفوضى السياسية والأمنية التي اجتاحت ليبيا منذ الثورة الليبية. أصبحت البلاد مسرحًا لصراعات بين مختلف الفصائل المسلحة والقبائل، مما أدى إلى زعزعة استقرار الكثير من المناطق.
إحدى التحديات الكبرى التي تواجه المقارحة هي الحفاظ على وحدة القبيلة وسط التغيرات السياسية والاجتماعية في ليبيا. في ظل غياب حكومة مركزية قوية، أصبحت القبائل تعتمد بشكل كبير على نفسها لضمان الأمن والاستقرار.
وفي هذا السياق، تلعب المقارحة دورًا في التفاوض مع القبائل المجاورة والفصائل المسلحة لضمان الحفاظ على سلامة مناطقها وسكانها.
ثقافة وتراث
من الناحية الثقافية، تحتفظ قبيلة المقارحة بتراث عربي عريق يمتد لعصور بعيدة.
تشمل التقاليد القبلية الثقافة الشفوية التي تتضمن الشعر والحكايات الشعبية، والتي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للقبيلة. كما تحافظ القبيلة على احتفالاتها الخاصة التي تعكس موروثها الثقافي، مثل الأعراس التقليدية والمناسبات الدينية والاجتماعية.
رغم الظروف الصعبة التي تمر بها ليبيا، إلا أن المقارحة تسعى إلى الحفاظ على هويتها الثقافية من خلال التمسك بتقاليدها القبلية وموروثاتها الشعبية. يتوارث أبناء القبيلة هذه التقاليد جيلاً بعد جيل، مما يساهم في الحفاظ على تماسكهم الاجتماعي واستمرارية هويتهم.
تعد قبيلة المقارحة جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي والسياسي الليبي. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها في العصر الحديث، فإن القبيلة ما زالت تحافظ على مكانتها التقليدية في المجتمع الليبي. لعبت المقارحة دورًا بارزًا في تاريخ ليبيا من خلال مشاركتها في المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي وتعاونها مع النظام السياسي السابق، وهي اليوم تسعى إلى الحفاظ على تماسكها ووحدتها في ظل الأوضاع السياسية المعقدة التي تشهدها البلاد.