الأمثال الشعبية عند «بادية سيناء»
حاتم عبدالهادي السيد
يعتبر مسعد بدر، أحد أبرز كتاب التراث السيناوي، وقد قدم العديد من الكتب للمكتبة التراثية في سيناء ومصر والوطن العربي، فلقد قدم كتاب السيرة الهلالية برواية أبناء سيناء، كما قدم الأسطورة في أدب البادية السيناوي، وقدم الحكايات الشعبية، والأمثال الشعبية، ونحن هنا نختار مقاله له عن الأمثال الشعبية في سيناء، من خلال دراسة أسلوبية رائعة، وتعرضه للقارئء المصري والعربي .
هذا المقال نتناول الأمثال الشعبية عند بادية سيناء، من حيث هي نص أدبي شفوي تواصلي، له أساليب بلاغية معينة، صيغت في بُنَى لغوية خاصة؛ ضمانا لإيصال الرسالة.
المثل نص :1
يشكل المثل الشعبي نصًّا، بالنظر إلى أن النص “أيُّ مقطعٍ مكتوب أو منطوق يكوّن – نتيجة للتماسك والترابط – كُلا متحدا”.(188/6) ولمّا كانت الأمثال الشعبية شفوية؛ فإن “المقابلة بين نص مكتوب ونص شفوي هو حصر للحامل أو الوسيط”(553/5) لا أكثر. ثم إنه لا اعتبار للكم النصي هنا، بل يكفي الملفوظ أن “يشكل وحدة تواصلية. ولا يهم أن يكون المقصود هو متتالية من الجمل، أو من جملة وحيدة، أو جزء من الجملة… فليس النص بنية مقطعية مُلازِمة، ولكنه وِحدة وظيفية تنتمي إلى نظام تواصلي”.(533/3) في ضوء ذلك يأتي المثل: “بِيْضَة ديك”، أو “بِيْضَة حُوْل”(1)؛ فهو ليس جملة كاملة من (مسند ومسند إليه)، لكنه يؤدي وظيفة اتصالية يدركها ابن بيئة المثل فور سماعه؛ ليتأكد لنا، بتعبير آخر، “أن مفهوم النص لا يستوي مع مفهوم الجملة على مخطّط واحد”.(533/3)
وما دام المثل نصا تواصليا؛ فإن ذلك يستدعي أن يُصاغ في أساليب خاصة تقوّي عملية الاتصال، لا أن يُساق في كلام “يساوي درجة الصفر التعبيرية”، وَفق قول الأسلوبيين.
المثل أسلوب:2
يعرّف (ريفاتير) الأسلوب بأنه ” كل شكل مكتوب فردي ذي مقصدية أدبية”(19/12). ثم يضيف: “وهذا التعريف محدود جدا؛ فعِوض (شكل مكتوب) ينبغي وضع عبارة (شكل ثابت) حتى يمكن احتواء أساليب الآداب الشفوية”(19/12).
على أن هذا التعريف غير جامع؛ لأنه، باشتراطه (الفردية)، أغفل الآداب الشفوية الشعبية – ومنها الأمثال – التي تفتقد هذا الشرط؛ لكونها إنتاجا جماعيا. كما أن المقصدية الأدبية لا تكفي لأن تخلق أسلوبا أدبيا؛ فإن عَمَلا يقصد به مؤلفه أن يكون أدبا قد لا يتجاوز الوظيفة اللغوية الإخبارية؛ فيفشل في حفز المخاطَب على حمل الرسالة، فضلا عن تمثّل التجربة المعبر عنها خلال النص. فما هي محددات الأسلوب المؤثر؟
ينشأ الأسلوب من (المجاوزة) للمعدل العادي لاستخدام اللغة. و”إذا أردنا أن نضرب مثالا مبسطا لظاهرة المجاوزة؛ فيمكن الرجوع إلى المثال الشائع: إذا قلت “البحر أزرق”؛ فأنت تتكلم وأنت في (درجة الصفر التعبيرية). لكن عندما تقول مثل (هومير): “البحر بنفسجي”، أو “البحر خمري”؛ فأنت تصنع أسلوبا”.(27/2) كذلك حين أقول: الفقر مُرهِق؛ فأنا بذلك خارج دائرة الأسلوب، أما حين يَعمَد المثل إلى هذا المعنى ذاته فيصوغه في صورة تشبيهيه تجعل الفقر (القِل) صعودا شاقا في الجبل (سَنْدِي): “القِل سَنْدِي”؛ فهو يصنع أسلوبا.
ويمثل (ريفاتير) للمجاوزة/ الانحراف بهذه المعادلة(92/9):
نسـق أصغـر + مخالفة = مسلك أسلوبي
ياكل مع الذيب + ويبكي مع الراعي = مسلك أسلوبي، قائم على المفارقة التي تصوّر النفاق!
وِدَّكْ من جَزَّاز كَلْبِة + صُوْف؟(2) = مسلك أسلوبي مُعبِّر عن الاستحالة.
وقد سبق وصف الأسلوب بالثبات، لكن “صفة الثبات هذه ليست ببساطة نتيجة الحفاظ على الوحدة الفيزيائية للنص، ولكن على الأصح نتيجة حضور خصائص شكلية في النص”.(19/12) كما تَقَّدمَ – أيضا – وصفُ النص بأنه كُلٌّ متَّحِد، وينجم عن هذا الكُل المتَّحد “خاصية أخرى هي أن يكون له بنية، أي نظام يحكم علاقات أجزائه، ويجعلها متراتبة، يتوقف كل جزء منها على ما قبله ويؤدّي لما بعده. هذه البنية في صميمها ذات صِبغة دلالية”.(109/10) وهذا يأخذنا إلى المحور الثالث: البنية الشكلية والبنية الدلالية للمثل الشعبي.