علي بك الكبير: ابن السويس الذي تحدى الدولة العثمانية وكاد يعلن مصر مملكة مستقلة
أسماء صبحي
في ذاكرة مدينة السويس، لا تذكر أسماء كثيرة ارتبطت بتحدي النفوذ العثماني مثلما يذكر علي بك الكبير. أحد أبرز الشخصيات التاريخية التي خرجت من هذه المدينة الساحلية وتحولت إلى رمز للتمرد والطموح السياسي في القرن الثامن عشر. فبينما نشأ في منطقة قريبة من الميناء، وسط تجارة ومرور السفن. كانت أحلامه تتجاوز حدود البحر، ليمضي نحو القاهرة ويصعد سلم السلطة بثبات ودهاء. حتى وصل إلى منصب شيخ البلد، الحاكم الفعلي لمصر.
نشأة علي بك الكبير
ولد علي بك في بدايات القرن الثامن عشر في منطقة قريبة من السويس. قيل إنها قرية تتبع مشيخة الصعيد الشرقي. نشأ في بيئة متأثرة بالتجارة والملاحة. لكنه انتقل مبكرًا إلى القاهرة حيث التحق في سنٍ صغيرة بجهاز المماليك. كما تم بيعه لأحد أمراء المماليك، ومن هناك بدأ رحلته الصعبة داخل أروقة السياسة القاهرية.
وبفضل ذكائه العسكري والسياسي، استطاع أن يصبح زعيمًا لمماليك مصر. وتم تعيينه “شيخ البلد” سنة 1760. في ذروة قوته، أعلن تمرّده على الدولة العثمانية. وبدأ يخطط لجعل مصر دولة مستقلة، بل قام بضرب العملة باسمه وطرد الجباة العثمانيين. كما بسط نفوذه على الحجاز وسوريا بالتعاون مع القائد ظاهر العمر.
سقوط الحلم بسبب الخيانة
لكن طموحه اصطدم بخيانة أقرب رجاله، محمد بك أبو الدهب، الذي تحالف سرًا مع العثمانيين. وبسبب تلك الخيانة انهار مشروعه في الاستقلال، وهرب علي بك إلى سوريا. ثم عاد لمصر ليهزم أخيرًا ويموت في عام 1773، تاركًا وراءه قصة رجل تحدّى إمبراطورية.
ويقول الدكتور هاني رشاد، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة السويس، إن علي بك الكبير هو نموذج فريد لرجل خرج من الأطراف – من مدينة السويس – لكنه لعب دورًا محوريًا في تاريخ مصر السياسي. كما كان أول من زرع فكرة الانفصال عن الحكم العثماني. ولا يمكن فهم تطور الوطنية المصرية دون المرور على تجربته.
ورغم أن حلمه لم يكتمل، إلا أن تجربة علي بك ألهمت حركات لاحقة في تاريخ مصر. كتمرد محمد علي باشا، وظهور فكرة الدولة المصرية المستقلة. كما يظل اسمه محفورًا في سجلات السويس كأحد أبنائها الذين سطروا اسمهم في التاريخ، ولو بثمنٍ باهظ.
ولم يكن علي بك مجرد قائد مملوكي، بل كان مشروع دولة في شخص. حيث خرج من رحم السويس إلى قمة المشهد السياسي، وخاض صراعًا مع واحدة من أعتى إمبراطوريات عصره. ومع أن التاريخ لم ينصفه تمامًا، فإن الذاكرة الشعبية والكتب التاريخية ما زالت تحفظ له مكانة خاصة كأحد الأوائل الذين فكروا في مصر المستقلة.



