تاريخ ومزارات
رحلة حج “كنجي منسا موسى” من أهم الرحلات في تاريخ البشرية
في وقت المماليك وتحديدًا سنة 724 هجرية يوم 16 رجب، المصريين اتفاجأوا بقافلة مهولة داخلة عليهم، قافلة عمرهم ما شافوا زيها قبل كده، والقوافل في العادة بتكون تجارية ولكن في الوقت ده من العام معروف إن قوافل الحج الي بتيجي من غرب أفريقيا ووسطها بتستقر شوية تستريح في مصر كام يوم كده زي ترانزيت كده!.
القافلة دي كان قوامها أقرب لجيش كامل تقريبًا حوالي ٦٠ ألف شخص بأدوّار مُختلفة، المصريين كانوا متعودين في الوقت ده على إنهم يشوفوا حُجاج أفارقة لهم عادات وتفاصيل غريبة عنهم، لكن القافلة دي كانت أغرب من أنها تتصدق، كل حاجة كانت أسطورية كانت بتتمثل في القافلة دي..
مُعظم أهل القافلة دي لابسين دهب في دهب، وحرير يماني بيغطي مُعظم جسمهم، القافلة دي كانت تخص الحاكم الافريقي “كنجي منسا موسى” الي هو ملك مملكة مالي، والي هو مسك الحكم بعد تنازل أخيه الأكبر أبو بكر الثاني عنه له ..
منسا موسى كان شاب أسمر طويل ضخم، يمتاز بالوسامة ودماثة الخُلق، الحاشية بتاعته كانت كبيرة جدًا لدرجة إن عدد الحمّالين الي شايلين أمتعتهم تخطى ال ٦ الاف بني آدم بس، عدد الجواري سيادتك الخاصة ب “كنجي” وصل بحسب المقريزي ل ١٢ ألف جارية ..
ويُقال إن كان في ١٠ آلاف بني آدم تانيين شايلين صناديق خشبية محدش كان عارف فيها إيه، كتب التاريخ كتبت عن الرحلة الحجازية الأشهر دي ما يكفي من المبالغات اللي يخليك تصدق إن الموضوع ماكنش طبيعي وكان فعلاً أسطوري ..
المُهم إن منسا موسى دخل مصر هو وقافلته والمصريين واقفين يتفرجوا على الهيلمان ده كله مُنبهرين فبدأ الراجل يعمل حاجة غريبة أوي، بدأ يوزع على العامة دهب من قلب الصناديق الخشب اللي كان الحمّالين شايلينها دي!.
أيوة سيادتك قرأت صح .. أطنان من الذهب بقت بتترمى على المصريين في الشوارع، مثلاً الدليل اللي صحب الموكب ده لحد الاهرامات أخد ١٠٠ قطعة ذهب، كذلك لو حد كان بيقدم أي خدمة ولو بسيطة للموكب ده كان بيتقدم له الذهب بهدوء شديد، حتى لو الموكب عدى على حد محتاج أو مسكين قاعد بيشحت وسط العامة كان حاشية الملك بيقدموا له ٥ كيلو دهب مثلاً يتسلى فيهم وهكذا..
الموضوع كان كأنه حلم وماحدش كان مصدق الي بيحصل، واستقر الموكب المهيب ده تحت الأهرامات ولمدة ثلاثة ليال كل المصريين كانوا بيروحوا هناك ياخدوا ذهب ويمشوا .. آه والله زي ما بقولك كده طاقة القدر واتفتحت!.
السلطان محمد بن قلاوون دعا “منسا موسى” للقاء في القصر السلطاني وبالفعل راح الملك الأسمر عشان يقابل السلطان في القصر وكان من عادة الزُوَّار للقصر أنهم يقبلوا أرض البلاط في حضرة الملك لكن الملك الافريقي رفض ده وده ماضايقش السلطان محمد بن قلاوون بالعكس تقبل الموضوع بصدر رحب ..
في الفترة دي مصر كانت بتخرج رجل عسكري بياخد وحدة عسكرية تصطحب القوافل اللي بتعدي على مصر في سكتها للحجاز عشان تحميها، توصلها لحد هناك وتحج بالمرة وقائد الحملة دي بيكون اسمه أمير الحج ..
فأمر السلطان المملوكي الأمير “سيف الدين أيتمش” أمير الحج السنة دي أنه يكون على مقدمة موكب منسا موسى ويوصله للحجاز ويحرص على سلامته بنفسه تكريمًا للملك الافريقي الكريم..
من ضمن الحاجات الغريبة الي ممكن تقرأ عنها في المصادر تحت مثلاً، أن زوجة “كنجي” كانت زهقانة وحرانة ونفسها تنزل الميه، وعند الاهرامات مفيش بحر فأمر “كنجي” رجاله أنهم يحفروا حفرة كبيرة في وسط الصحراء كده ويملوها مياه من مياه القافلة بتاعته وبالفعل تم الأمر عشان بس الحاجة ماتبقاش متضايقة “بذخ بذخ يعني” ولا تقولي بقى أي حاجة تانية بقى سامع يا اللي في بالي
وبدأت القافلة في اليوم الرابع إنها تتحرك باتجاه الحجاز وتكمل في سكتها، أول ما وصلوا الحجاز برضه بدأ الملك الأسمر يُوّزَع الذهب على أهل الحجاز الفقراء لدرجة إن مع نهاية موسم الحج الذهب اللي مع الراجل كان كله خلص.. انت متخيل؟!
يسيب كل الذهب اللي معاه ويحاول على قد ما يقدر يشتري كتب التراث والنوادر منها، وعمّل زي حملة كده اللي معاه كتاب بيشتريه منه بقطع من الذهب، وحمٌّل الموكب بتاعه بأطنان من الكتب بدل الذهب في رحلة العودة..
قبل ما يمشي اجتمع مع بعض العلماء وسألهم عن حاجة يظهر إنها كانت السبب في اللي هو عمله ده كله..
والدته كان اسمها “كنكي” سيدة أفريقية سمراء ماتت من فترة، واللي محدش كان يعرفه إن الملك بينه وبين نفسه كان حاسس بالذنب تجاه والدته وكان شايف أنه سبب في موتها بشكل رئيسي وأنه حب يعمل كل الي عمله عسى أن ينال الغفران من روحها ومن ربنا لما يتصدق بالكم الرهيب ده من الذهب ..
المهم أنه بعد ما حكى للعلماء دول وسألهم عن رأيهم في الموضوع، انفض المجلس وبدأ الموكب بتاعه اللي كان مُحمل بالكتب يستعد للرحيل، وهنا بدأ يعرض على العلماء والأطباء والمهندسين إنهم يروحوا معاه على مالي هناك وهما كانوا شافوا البذخ والثروة اللي بيتمتع بها الملك فوافق عدد كبير منهم ..
رجع فعلاً على مالي وهناك بنى أكبر جامعة في افريقيا بالوقت ده واستعان في الإنجاز ده بالمهندسين العرب اللي رجعوا معاه، والكتب الي أخدها من الجزيرة العربية كانت هي السبب الرئيسي في الانفتاح الثقافي الافريقي اللي حصل بالفترة دي ..
الراجل بعد ما أنجز كل الإنجازات دي قرر أنه يتخلى عن المُلك لأبنه محمد ويسافر على مكة عشان يستقر هناك يتعبد ويزهد الحياة الدنيا ولكنه مات قبل ما يعمل كده ..
الراجل مات بعد ما عمل رحلة حج أسطورية ماتكررتش تاني ولكن هناك وقفة سيدي الفاضل، نتيجة الرحلة دي كانت كارثية بكل المقاييس..
زي ما أنت عارف وأكيد فاهم عملية الغطاء الذهبي للعملة، وإن العملة المحلية بتكون معتمدة على أساس الغطاء الذهبي المملوك للدولة، وبناءً على ما حدث ..
حصل كساد اقتصادي رهيب وانخفض سعر الذهب ست دنانير دفعة واحدة واستمر على الحال ده لمدة 12 سنة مُتتالية الشيء اللي أثر بالتبعية على مستويات المعيشة وارتفاع غير طبيعي في الفروق الاجتماعية ما بين المواطنين نتيجة غلاء الاسعار اللي كان سببه وفرة الذهب في ايد العامة معنى كده إن العملة النقدية بدأت تفقد قيمتها قدام السلع وبالتالي ده سبب غلاء غير محسوب مسببًا مجاعات وخسائر اقتصادية رهيبة للتجار ..
مش بس كده الموضوع وصل لاوروبا وإلي القوات الاستعمارية فيها انتبهت لمدى القوة الاقتصادية اللي كانت مستخبية في افريقيا طوال تلك السنوات ما سبب اجتياح عسكري أوروبي لمناطق غرب ووسط أفريقيا على مدار قرون..
كمان الاحصائيات الحديثة ببساطة قدرت إن الراجل ده كان أغنى رجل عرفه العالم في التاريخ بثروة اجمالية قُدرت بحوالي 400 مليار دولار أو ما يزيد واحتل صدارة الترتيب في قائمة أغنى عشرة أشخاص على مر التاريخ .. الأغرب أنهم قدروا قيمة ثروته انها تساوي قيمة التسع التانيين الي وراه في القائمة نفسها ..
المصادر ..
مسالك الأبصار في ممالك الأمصار شهاب الدين العمري
مقال صدر عن دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية.