تاريخ ومزارات

حكاية الكحل عند المصريين القدماء.. من الزينة إلى العبادة والعلاج

أميرة جادو

مع اقتراب انطلاق الدورة العشرين لاجتماعات اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونسكو في نيودلهي بين 8 و13 ديسمبر، تصاعد الجدل في مصر بشأن إمكانية تسجيل الكحل كتراث يعود لدول أخرى، وسط مخاوف واسعة عبر عنها نشطاء ومشاهير من أن ينسب هذا الإرث لغير المصريين، مؤكدين أن الكحل موثق علميًا كابتكار فرعوني استخدمه المصريون القدماء قبل آلاف السنين، ما يجعلهم يعتبرون أي محاولة لتسجيله خارج مصر مساسًا بتراث أصيل متجذر في التاريخ الإنساني.

فمنذ فجر التاريخ ارتبط المصريون بعادة استخدام الكحل، الذي مثل لهم دلالات متعددة؛ فكان وسيلة للتجميل، ووسيلة للتعبد، وأداة للعلاج أيضًا، ومع مرور الزمن أصبح رمزًا من رموز الأناقة لدى المرأة، كما ظل وسيلة فعالة لعلاج العين، ولا يزال يحتفظ بجانب ديني واضح، إذ يعتاد المصريون التكحل في سبت النور أحد الأعياد المسيحية، كما أنه سنة إسلامية متوارثة.

أدوات التجميل عند فراعنة مصر

منذ الدولة الفرعونية القديمة احتلت أدوات التزيين أهمية كبيرة لدى النساء والرجال على حد سواء، حيث استخدموا الكحل وأحمر الشفاه وغيرها من المستحضرات التي أصبحت معروفة عبر العصور.

كما تشتهر الملكتان كليوباترا و نفرتيتي بالمظهر الفرعوني الشهير، حيث الكحل الأسود حول العينين والظلال الزرقاء على الجفون.

أصل الكحل عند المصريين القدماء

يعتبر المصريين القدماء هم أول من اخترع الكحل خلال الفترة بين 3500 و4000 قبل الميلاد.

وقد ظهرت في النقوش والآثار المصرية عيون المعبود “رع” مرسومة بدقة مدهشة.

كما استخدم الكحل لتزيين عيون الملوك، لتصبح خطوط العين الفرعونية علامة فنية مميزة في جميع الفنون القديمة.

والجدير بالإشارة أن الكحل كان بيتم تصنيعه عن طريق مزج السخام (سواد الحِلّة) مع معدن الجالينا لينتج معجون أسود كثيف.

الكحل الأخضر ورمزية اللون

كما ظهرت عيون بعض قدماء المصريين مزينة بالكحل الأخضر، الناتج عن خلط حجر المرمر، وكانت النساء تعتقد أن المرمر هدية من الإلهة حتحور، إلهة الحب والجمال.

وكان يمزج مع الجالينا ويحتوي على أكسيد النحاس والسيليكون والتلك وبودرة قشور اللوز، إلى جانب دهون من بعض الحيوانات مثل الأبقار.

التجميل بين الرمز والجمال

ووفقًا لما ذكره الباحثين، فإن الهدف من استخدام المصريين القدماء لمستحضرات التجميل لم يكن مجرد تحسين المظهر الخارجي، بل كانت لهذه المساحيق دلالات رمزية تُستخدم في الطقوس الدينية، ومع ذلك كانوا يلتزمون بوضعها بشكل يومي، حتى أن الكلمة الهيروغليفية الخاصة بفنان التجميل “سيش” تعني الكتابة أو النقش، ما يشير إلى المهارة العالية المطلوبة لوضع الكحل وأحمر الشفاه.

الكحل للحماية والعلاج

كان الكحل مستخدمًا لدى النساء والرجال في الحضارة الفرعونية، لحماية العين من شمس الصحراء الحارقةن كما يقال إن أصل كلمة “Make Up Palette” يعود إلى مصطلح “To protect” أو “الحماية”، وهو ما يعكس طبيعة استخدامه قديمًا.

والجدير بالذكر أن المصريون اعتقدوا أن للكحل فوائد عديدة؛ أبرزها حماية العين من الشمس القوية في المناطق الصحراوية، كما اعتقد البعض أن الكحل يقي من أمراض العين، لذلك كان يوضع للأطفال حديثي الولادة وصغار السن — سواء ذكورًا أو إناثًا — اعتقادًا منهم بأنه يقوي النظر ويحميهم من “العين الشريرة” والحسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى