تاريخ ومزارات

سر رحلة مومياء رمسيس الثاني من فرنسا إلى القاهرة. حين سافر الفرعون ليحكي للعالم قصة الخلود

 

 

كتبت شيماء طه

 

في عالم الملوك لا يُدفن المجد، بل يسافر ليُروى من جديد. وهكذا كانت حكاية مومياء الملك رمسيس الثاني، أحد أعظم فراعنة مصر القديمة، الذي عاد بعد أكثر من ثلاثة آلاف عام ليُبهر العالم مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليس من خلال معركة أو معبد، بل عبر رحلة علمية نادرة إلى فرنسا ثم عودته المهيبة إلى القاهرة.

 

البداية من خبيئة الدير البحري

 

عام 1881، اكتُشفت مومياء رمسيس الثاني داخل خبيئة الدير البحري بالأقصر، إلى جانب مومياوات ملوك عظام مثل أحمس الأول وتحتمس الثالث. كانت المومياء في حالة جيدة رغم مرور القرون، محفوظة بعناية في لفائف الكتان، تحمل على وجهها ملامح الملك الذي حكم مصر لأكثر من 66 عامًا.

 

نُقلت المومياء إلى متحف القاهرة، حيث خضعت لدراسات علمية متعددة، لكنها بدأت تتعرض بمرور الوقت لتدهور بسبب عوامل الرطوبة والبكتيريا. عندها قررت مصر اتخاذ خطوة جريئة وغير مسبوقة…

 

الفرعون يسافر إلى فرنسا

 

في عام 1976، تم الاتفاق بين الحكومة المصرية والفرنسية على نقل مومياء رمسيس الثاني إلى باريس لفحصها وترميمها. كانت الرحلة حدثًا عالميًا فريدًا من نوعه، إذ صدر للفرعون جواز سفر رسمي يحمل صورته ولقبه “الملك (المتوفى) رمسيس الثاني ملك مصر”، احترامًا للقوانين الفرنسية التي تمنع دخول أي شخص، حيًّا أو ميتًا، دون وثائق رسمية.

 

وعندما وصلت المومياء إلى مطار بورجيه الفرنسي، استُقبلت بمراسم تليق بملوك العالم: حرس شرف، وعزف السلام الوطني المصري، وكأن التاريخ عاد ليُعيد للفرعون مجده أمام العالم الحديث.

 

أسرار التحليل العلمي في باريس

 

خضع جسد رمسيس الثاني لدراسات دقيقة على يد فريق من العلماء الفرنسيين برئاسة العالم كريستيان كاريّو، وتبيّن أن المومياء كانت مصابة ببعض أنواع الفطريات، وأن الملك كان يعاني قبل وفاته من التهاب في المفاصل وأمراض بالأسنان، إضافة إلى كسر في عظم الساق يرجّح أنه حدث قبل الوفاة بوقت قصير.

 

كما أظهرت الفحوصات أن المصريين القدماء استخدموا مواد تحنيط مذهلة من الزيوت النباتية والراتنجات، ساهمت في حفظ الجسد طوال هذه القرون.

 

العودة إلى أرض الفراعنة

 

بعد انتهاء الفحوص، أعيدت مومياء رمسيس الثاني إلى مصر في عام 1977 وسط احتفاء رسمي وشعبي كبير. وعادت لتُعرض مجددًا في المتحف المصري بالتحرير، ثم نُقلت لاحقًا ضمن موكب المومياوات الملكية عام 2021 إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، في مشهد أبهر العالم أجمع.

 

 

حين تنظر إلى وجه رمسيس الثاني بعد هذه الرحلة الطويلة، تشعر أنه لم يمت قط.

 

وكأن المومياء عادت من الغرب لتؤكد للعالم أن الخلود ليس أسطورة فرعونية، بل هو مصريّ الهوية.

فرعون عبر الأزمنة، وجواز سفره لم يكن مجرد وثيقة، بل شهادة اعتراف عالمي بعظمة حضارة لا تُقهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى