تاريخ ومزارات

عمرو بن العاص وفتح شمال أفريقيا: بداية سيطرة المسلمين على مصر وليبيا

عمرو بن العاص خضعت شعوب شمال أفريقيا من مصر شرقا وحتى المغرب غربًا في العصور التي سبقت الإسلام لسلطة المتغلبين، أحيانًا للرومان وأحيانًا لخلفائهم البيزنطيين، وكان انتحار الملكة كليوباترا وأنطونيو إيذانًا بانتهاء الحكم البطلمي الإغريقي في مصر عام 30 ميلاديًا.

عمرو بن العاص وفتح شمال أفريقيا

لكن انقسام الدولة الرومانية بين روما غربًا والقسطنطينية شرقًا منذ عام 476 م مهد لصعود نفوذ الإمبراطورية البيزنطية الشرقية التي سيطرت على التاريخ الوسيط لألف عام كامل، ومع ذلك بدأت هذه الإمبراطورية تتقهقر أمام الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام وشمال أفريقيا بين عامي 632م و642م/ 12-22 هجريًا، وكان لتقدم المسلمين عوامل عدة من أهمها الانقسام الحاد داخل المذهب الأرثوذكسي المسيحي بين مصر والقسطنطينية، وما تعرض له مسيحيو مصر من اضطهاد لإجبارهم على التخلي عن عقيدتهم التي اعتبروها الأقرب للروح الأرثوذكسية.

وفي ظل هذا الاضطهاد، كانت شعوب شمال أفريقيا في ليبيا وأفريقية (تونس) وغيرها تعاني أوضاعًا أمنية وسياسية صعبة، فالحروب الطويلة التي خاضتها القبائل ضد البيزنطيين أنهكت قواها وأضعفت كيانها، وجعلتها مضطرة للركون إلى السكون والخضوع لسلطة البيزنطيين، الذين أقاموا الحصون والرباطات بين المدن وفرضوا الضرائب والمكوس حسب هواهم، وكان بربر لواتة على وجه الخصوص ساخطين على البيزنطيين بسبب حكمهم الجائر وتعسفهم في جباية الضرائب وكثرة مظالمهم.

هكذا كانت صورة الأوضاع عشية الفتح الإسلامي لمصر وليبيا، وكان أهل هذه المناطق متعطشين للخلاص من مظالم البيزنطيين الدينية والاقتصادية والأمنية، وهو ما دفع القائد العربي المسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى اقتراح فتح مصر بعد انتهاء فتح فلسطين، إذ كان فتح مصر مفتاحًا لاحقًا لفتح أقاليم ليبيا الثلاثة؛ برقة وطرابلس وفزان.

كان الفتح الإسلامي لمصر بين عامي 19-21 هجريًا سببًا في نظر عمرو بن العاص للخطوة التالية، فبعد فتح حصن بابليون وإتمام عمليات الفتوحات في صعيد مصر، وبمساعدة كبيرة من القبطيين الذين تعرضوا للاضطهاد، استطاع الجيش الإسلامي السيطرة على معظم البلاد، كما يذكر ابن عبد الحكم المصري في “فتوح مصر والمغرب”، مشيرًا إلى تعاون بعض القبط مع المسلمين في بورسعيد وما حولها.

لكن الإسكندرية، القلعة القديمة للفلاسفة والمركز الأرثوذكسي والوجود البيزنطي على البحر المتوسط، ظلت تقاوم المسلمين حتى آخر لحظة، وكان الإمبراطور هرقل يدرك أهميتها الاستراتيجية ويصفها بأنها مركز الروم العظيم، فأعد نفسه لمحاربتها بنفسه حتى وفاته عام 19 هجريًا، والتي أنهت خطورة الروم في مواجهة المسلمين.

وبالفعل أتم عمرو بن العاص فتح الإسكندرية سنة 21 هجريًا، وطهّر مناطق الساحل الغربي في مصر من الجيوب البيزنطية، ثم أرسل قائده وابن خالته عقبة بن نافع الفهري ليتحرك نحو برقة وطرابلس في ليبيا، ليضم هذه المناطق إلى الدولة الإسلامية ويؤسس لبداية انتشار الإسلام في شمال أفريقيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى