فن الكف الصعيدي: تراث شعبي يحتفل بالحب والأمل في قلب الأقصر
يعتبر فن الكف الصعيدي أحد أبرز الفنون الشعبية في محافظة الأقصر، حيث يتم تنظيم ليالي الأفراح والمناسبات السعيدة في القرى والنجوع بجنوب الصعيد. يظهر الفنان على مسرح مرتفع قليلاً عن الأرض، مما يمنح الجمهور رؤية واضحة له، ويتلقى ترحيباً حاراً من الشباب الذين ينتظرون إطلالته بكلمات ارتجالية تعكس التراث والموروث الثقافي لشعوبهم. يبدأ بعض شباب القرى بإلقاء مقاطع من قصائد وأغاني، ليقوم الفنان بإكمالها بنفس القافية واللحن، مما يخلق تفاعلاً مميزًا بينه وبين الجمهور.
تُقام حفلات الكف الصعيدي في ليالي الزفاف بالقرى، حيث يُعتبر هذا الفن الأكثر شهرة في جنوب الصعيد. يقدم الفنانون خلال هذه الاحتفالات أغانٍ تراثية وكلمات ارتجالية تتناول موضوعات مختلفة، بما في ذلك الحب والمناسبات السعيدة. يجلس الفنان على “دكة” مرتفعة، وهي بمثابة بديل لـ”الأنتريه” في العديد من المنازل الصعيدية. أمامه، يتجمع عدد من الشباب، يتراوح عددهم بين 10 إلى 30 شابًا، في صف متوازن حسب موقع الاحتفالية، ويبدأون بالتصفيق بطرق مميزة لتشجيع الفنان على بدء سرد الأغنية.
في هذا السياق، يشير الشاعر أسامة العثماني من قرية الزناقطة بالأقصر إلى أن فن الكف الصعيدي يُعتبر موروثًا ثقافيًا منذ عشرات السنين، وما زال مستمرًا في جميع قرى الأقصر والصعيد. تتناول غالبية الكلمات والأغانى موضوعات تحاكي الحب والحياة والخيانة والرجولة، مما يلامس قلوب الحضور. ويؤكد العثماني أنه كونه شاعرًا وقوالًا صعيديًا، يشارك مع شباب بلدته في تلك الليالي الاحتفالية في مختلف مناطق الجنوب، من أسوان إلى سوهاج، حيث يساهم في تقديم كلماته لفنان الكف الصعيدي، الذي يقوم بإكمالها بلحن شعري يتماشى مع أسلوبه في الأداء.
ويضيف العثماني أن هذا الفن يُعتبر من التراث الشعبي الأصيل في محافظات الأقصر وقنا وأسوان، حيث يتنافس أبناء هذه المحافظات لحجز نجوم فن الكف الصعيدي في الأفراح والمناسبات المختلفة. ومن بين أشهر نجوم هذا الفن الراحل رشاد عبد العال، والفنان ربيع البركة، والراحل عبد النبي الرنان، وجابر العزب، ومحمود جمعة، ومحمود الإدفاوي، وحسان القوصي، وعلاء أبو الريش، وغيرهم من المبدعين في عالم الكف الصعيدي.
تظهر العديد من الأغانى الشهيرة في حفلات وليالي الكف الصعيدي، مثل “غدار يا زمن غدار النسوين مش عايزة عمار”، و”والله أنا سايبك ومش ندماااان”، و”ليه المال ياناس دايما للقلوب هدام”. هذه الأغانى تعكس تجربة الحياة اليومية للشعب الصعيدي، وتعبر عن مشاعرهم وأحاسيسهم في قالب فني مميز.
في الختام، يُعتبر فن الكف الصعيدي رمزًا ثقافيًا حيويًا يعكس عراقة التراث الشعبي المصري، ويجمع بين الفرح والحزن، مما يجعله أحد أبرز الفنون التي تحتفل بالحب والأمل في قلوب الصعايدة، ويساهم في إحياء الذكريات الجميلة وتوثيق التاريخ من خلال الفنون الشعبية.