منوعات

رحلة الشمس في الحضارة المصرية القديمة  رمز الخلق والبعث والخلود

 

 

كتبت شيماء طه

 

كانت الشمس محورًا أساسيًا في العقيدة المصرية القديمة، إذ رآها المصريون القدماء رمزًا للحياة والنور والبعث الأبدي. لم تكن مجرد جرم سماوي يُضيء السماء، بل كانت تجسيدًا للإله رع، سيد الكون وخالق الوجود، الذي تدور حوله فلسفة الحياة والموت والخلود في الحضارة المصرية.

الإله رع ورحلة الشمس اليومية

 

آمن المصري القديم بأن الشمس تقوم كل يوم برحلة مقدسة عبر السماء والأرض والعالم السفلي. تبدأ هذه الرحلة مع الفجر حين تشرق الشمس في الشرق، فيولد الإله رع من جديد على هيئة طفل يُدعى “خبري”، رمز التجدد والبدايات.

ومع الظهيرة، يصبح رع في أوج قوته وهيبته، ممثلًا في صورة الإله “رع حور أختي”، أي رع – حورس الأفقين، الذي يحكم السماء نهارًا وينشر الضوء والنظام.

ثم تأتي لحظة الغروب، حيث يضعف رع ويأخذ شكل الإله العجوز “أتوم”، الذي يغيب في الأفق الغربي، ليبدأ رحلته الليلية في العالم السفلي (دوات)، حيث يواجه قوى الظلام والفوضى ممثلة في الأفعى “عپوف” (أبو فيس)، رمز الشر والفوضى.

 

الرحلة الليلية في العالم الآخر

 

كان المصريون يعتقدون أن الشمس أو الإله رع تسافر ليلاً في قارب سماوي مقدس عبر اثنتي عشرة بوابة تمثل ساعات الليل. وخلال هذه الرحلة، يواجه رع الأرواح الشريرة والظلمات، بمساعدة الآلهة الحامية مثل سِث وحورس وتحوت، حتى ينتصر في النهاية ويولد من جديد مع أول خيوط الفجر.

ترمز هذه الدورة اليومية إلى فكرة الموت والبعث، إذ مثلت الشمس حياة الإنسان نفسها: يولد، يعيش، ثم يموت، ليُبعث من جديد في العالم الآخر.

 

الرمزية الدينية والفنية

 

تجسدت رحلة الشمس في العديد من النصوص المقدسة مثل نصوص الأهرام وكتاب البوابات وكتاب ما في العالم السفلي، حيث وُصفت مراحل الرحلة بدقة رمزية بالغة. كما صُورت على جدران المقابر والمعابد، حيث يظهر رع وهو يقود قاربه وسط المياه الأبدية محاطًا بالآلهة الحامية.

 

ولأن الشمس كانت رمز البعث، ربط المصريون ملوكهم بها، فكان الفرعون يُعتبر ابن رع، وعند وفاته يُدفن بالقرب من مكان غروب الشمس في الغرب، ليبدأ رحلته الأبدية إلى السماء.

من هنا نشأت المراكب الجنائزية مثل مركب الملك خوفو، التي اعتُبرت وسيلة الفرعون لمرافقة رع في رحلته السماوية.

 

تأثير العقيدة الشمسية في الحضارة المصرية

 

امتدت عبادة الشمس لتؤثر على الفنون والعمارة والمعتقدات المصرية لآلاف السنين. فقد وُجهت المعابد نحو الشرق حيث تشرق الشمس، كما أقيمت المعابد الشمسية في هليوبوليس (أون)، مركز عبادة رع.

وفي عهد إخناتون، تطورت العقيدة الشمسية إلى عبادة الإله الواحد “آتون”، قرص الشمس ذاته، في محاولة لتوحيد الإله الخالق في صورة النور الأبدي.

 

 

لم تكن رحلة الشمس في الحضارة المصرية القديمة مجرد أسطورة كونية، بل كانت فلسفة متكاملة للحياة والموت، تمزج بين الروحانية والعلم والفن. وقد جسدت إيمان المصري القديم بأن النور ينتصر دائمًا على الظلام، وأن البعث والخلود هما نهاية كل رحلة إنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى