منوعات

مركب الملك خوفو….  أقدم مركب في العالم وأعجوبة هندسية خلدها التاريخ

 

 

كتبت شيماء طه

 

يُعد مركب الملك خوفو، المعروف أيضًا باسم مركب الشمس، واحدًا من أعظم الاكتشافات الأثرية في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، بل والعالم بأسره. هذه الأعجوبة التي يزيد عمرها عن 4500 عام ليست مجرد مركب خشبي ضخم، بل هي شهادة حية على عبقرية المصري القديم في الهندسة، والفكر، والإيمان بالحياة بعد الموت.

 

تم اكتشاف مركب الملك خوفو عام 1954 على يد عالم الآثار المصري كمال الملاخ، بالقرب من الهرم الأكبر في هضبة الجيزة. كان المركب محفوظًا داخل حفرة مغلقة بإحكام إلى جوار الهرم، لحماية القطع الخشبية من عوامل الزمن. وعندما فُتحت الحفرة، انكشف للعالم كنز أثري لا مثيل له، مكوّن من أكثر من 1200 قطعة خشب من شجر الأرز اللبناني، جُمِعت دون استخدام مسامير، بل بالحبال، في إنجاز هندسي مذهل سبق عصره بآلاف السنين.

 

كان الغرض من المركب جنائزيًا، حيث كان المصريون القدماء يعتقدون أن الفرعون يستخدم هذا القارب في رحلته المقدسة مع إله الشمس رع في العالم الآخر. ولذلك أُطلق عليه اسم مركب الشمس، إشارة إلى تلك الرحلة الروحية التي ترمز إلى البعث والخلود.

 

يبلغ طول المركب حوالي 43.6 مترًا، وعرضه نحو 5.9 متر، وهو مصنوع بدقة هندسية مذهلة تسمح له بالإبحار الحقيقي لو أُعيد تركيبه في الماء. وبعد جهود مضنية من الترميم استمرت سنوات، تم عرض المركب في متحف خاص بجوار الأهرامات، ثم نُقل لاحقًا إلى المتحف المصري الكبير (GEM) ليُعرض في بيئة حديثة تليق بعظمته التاريخية.

 

ما يميّز مركب الملك خوفو أنه ليس مجرد قطعة أثرية ضخمة، بل وثيقة فنية وتاريخية تكشف أسرار صناعة السفن في مصر القديمة. استخدم المصريون في صناعته تقنيات الربط بالحبال لتجنب تآكل الأخشاب، وراعوا في تصميمه انسيابية الشكل وثباته في الماء، ما يعكس فهمًا متقدمًا للهندسة الملاحية قبل آلاف السنين.

 

تُعد هذه الأعجوبة دليلاً على تفوّق المصري القديم في الجمع بين العقيدة والهندسة والفن، إذ جسّد من خلال هذا المركب فلسفته في الخلود وارتباطه بالشمس كمصدر للحياة. كما يُبرز المركب براعة المصريين في إدارة الموارد الطبيعية، باستخدام خشب الأرز المستورد من لبنان، وهو ما يدل على وجود علاقات تجارية دولية حتى في تلك الحقبة المبكرة من التاريخ.

 

اليوم، يقف مركب الملك خوفو شامخًا كأحد أعظم الكنوز الأثرية في المتحف المصري الكبير، يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم ليستمتعوا بمشاهدة هذا العمل المعجز الذي صمد أمام الزمن، وليتعرفوا على أسرار حضارة لا تزال تبهر العالم حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى