الجلابية الصعيدي رمز الأصالة في التراث المصري
كتبت شيماء طه
تُعد الجلابية الصعيدي أو كما يُطلق عليها أحيانًا الحلابية، واحدة من أبرز الرموز التي تعبّر عن الهوية المصرية الأصيلة، خاصة في محافظات صعيد مصر. فهي ليست مجرد قطعة ملابس، بل تراث متجذر يحمل في طياته تاريخًا طويلاً من العادات والقيم، ويعكس روح البساطة والوقار التي ميّزت الشخصية الصعيدية على مر العصور.
تعود أصول الجلابية إلى عصور مصر القديمة، حيث كان المصريون القدماء يرتدون ملابس فضفاضة مصنوعة من الكتان الأبيض لتناسب طبيعة المناخ الحار. وكانت تلك الملابس تُشبه إلى حد كبير الجلابية الحالية من حيث التصميم البسيط والراحة في الحركة.
ومع مرور الزمن، تطورت أشكالها وأنسجتها، لكن ظلت الجلابية تعبيرًا عن الانتماء والهوية، لا سيما في الريف والصعيد.
وفي النقوش الفرعونية القديمة، يمكن رؤية ملوك وكهنة يرتدون ملابس طويلة تشبه الجلابية الحديثة، ما يدل على استمرارية هذا النمط عبر آلاف السنين داخل الثقافة المصرية.
في صعيد مصر، تُعد الجلابية الصعيدي جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية للرجل، فهي تُلبس في العمل، والمناسبات، وحتى في الاحتفالات. وتتميز الجلابية الصعيدية بقماشها الثقيل ولونها الغامق – غالبًا الرمادي أو الكحلي أو البني – وذلك لتناسب طبيعة العمل في الحقول والمناخ الجاف.
أما الحلابية فهي الشكل الأقدم للجلابية، وكانت تُخاط يدويًا في الماضي من قماش الكتان أو القطن الخام، وتُزيَّن بخيوط سميكة على الياقة والأكمام. كما أن طولها الواسع وحركتها المريحة جعلاها الأنسب للرجال العاملين في الزراعة أو الأسواق.
الجلابية في المناسبات والعادات الصعيدية
تكتسب الجلابية الصعيدي طابعًا احتفاليًا خاصًا في الأعراس والمناسبات الدينية. ففي الزفاف الصعيدي، يرتدي العريس جلابية جديدة غالبًا بيضاء اللون مع عباءة أو “عبّاية” من الصوف أو الكتان الفاخر. كما يرتدي الرجال العمامة أو الطاقية البيضاء كرمز للوقار والاحترام.
وفي شهر رمضان والمواسم الدينية، تصبح الجلابية أيضًا زيًا مفضلًا لأنها تجمع بين الراحة والوقار، ما يعكس عمق القيم الروحية لدى الصعايدة.
صناعة الجلابية في التراث المصري
كانت الجلابية تُصنع يدويًا في القرى الصعيدية، حيث تتولى النساء في البيوت خياطة جلابيات أفراد العائلة باستخدام أدوات بسيطة. ومع الوقت، أصبحت هناك ورش تقليدية في محافظات مثل قنا وسوهاج وأسيوط متخصصة في صناعة الجلابية الصعيدية بمقاسات وألوان مختلفة.
ورغم دخول الأزياء الحديثة إلى الحياة المصرية، إلا أن الجلابية الصعيدي ما زالت تحافظ على مكانتها، بل أصبحت رمزًا من رموز التراث الشعبي المصري يُقبل عليها الزوار والسياح كقطعة ثقافية تمثل روح الجنوب المصري.
الجلابية كرمز للهوية المصرية
اليوم، لم تعد الجلابية مجرد زي محلي، بل أصبحت رمزًا وطنيًا يعبر عن الأصالة والبساطة والكرم. وفي المهرجانات الثقافية، يظهر الرجال الصعايدة بالجلابية والعمامة كجزء من العرض التراثي المصري، الذي يُبرز تنوع الثقافة والملابس الشعبية في البلاد.
وتُستخدم الجلابية أيضًا في الأعمال الدرامية والسينمائية لتجسيد الشخصيات الصعيدية، مثلما في مسلسلات “الضوء الشارد” و“الرحايا”، مما جعلها رمزًا بصريًا للهوية المصرية في الإعلام والفن.



