عادات و تقاليد

الوشم في الصعيد وسيناء حكايات الهوية المنقوشة على الجلد

 

كتبت شيماء

 

 

لم يكن الوشم  في الصعيد وسيناء  مجرد زينة أو موضة، لكنه علامة هوية وانتماء، لغة صامتة بين القبائل والنساء، تحكي عن الأصل والعِرض، وتفوح منها رائحة الصحراء والنيل معا كما إنه فنّ وتراث وذاكرة حيّة تختزل ملامح القوة والأنوثة، والشرف والوفاء، والقبيلة والروح.

 

رمز النَسب والنجدة

في قرى الصعيد القديمة، كان الوشم عادةً متوارثة تُعبّر عن الانتماء للعائلة أو القبيلة.
كان الرجال يوشمون رمز السيف أو النخلة أو العقرب على أذرعهم كإشارة إلى الشجاعة والكرم أو الحماية من الشر.

أما النساء فكنّ يضعن وشومًا صغيرة على الذقن أو اليدين أو الجبين، تحمل رموزًا مثل “النقطة الثلاثية” أو “الهلال” للدلالة على الجمال، والطهارة، والقدرة على الإنجاب.
ومع مرور الزمن، صار الوشم أيضًا وسيلة لـتمييز الأصل والمكانة الاجتماعية، بل أحيانًا وسيلة للزواج أو الفخر بالعائلة

الوشم في سيناء: ذاكرة القبيلة على الجلد

في سيناء، للوشم معنى أعمق من الزينة، فهو شهادة انتماء للقبيلة.
البدو كانوا يميزون أنفسهم بعلامات خاصة: مثل وشم “الصقر” الذي يرمز للشجاعة والكرامة، ووشم “الخنجر” الذي يعبر عن حماية الأرض والعرض.

النساء في سيناء يستخدمنه لتأكيد أنوثتهن في مناسبات معينة، وغالبًا ما تكون النقوش مستوحاة من رموز الطبيعة: الشمس، الرمل، والهلال.
ويُقال إن بعض النساء كنّ يوشمن أنفسهن أثناء الغربة أو الحزن، كنوع من المقاومة النفسية أو الوفاء لذكرى شخص راحل.

بين الجمال والإيمان: البعد الروحي للوشم

لم يكن مجرد “نقش”، بل رسالة روحانية فكثيرون كانوا يعتقدون أنه يبعد الحسد، أو يحمي من الأرواح الشريرة، أو يجلب البركة للمرأة الحامل وفي بعض القرى بالصعيد، كان “الوشّام” يُعامل كشيخ أو حكيم يعرف أسرار الرموز القديمة، ويختار الرسم بناءً على شخصية صاحبها.
هكذا صار الجلد مرآةً للنفس، ووشم النقطة أو الهلال أو العين، ترجمة لوجدان المصري القديم اللي ما زال ساكنًا فينا.

في زمن التكنولوجيا والفلاتر، بيبقى الوشم في الصعيد وسيناء شاهد صادق على جمال طبيعي بلا تزييف، وانتماء بلا شعارات.
وشم بسيط بالحبر الأزرق يحكي قصة امرأة بدوية صبرت، أو شاب صعيدي حلم أن يخلّد قبيلته على جلده.
إنه وشم الهوية، مش موضة.
وربما هو الدليل الوحيد على أن الإنسان، في النهاية، يكتب تاريخه حيث لا يُمحى: على جلده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى