لعنة الذهب المدفون.. حكايات لصوص المقابر في مصر القديمة

في أعماق ليلٍ حالك، حيث يختفي القمر خلف تلال الصحراء الممتدة بلا نهاية، كان لصوص الآثار يتحركون كالأشباح، ينسلون بين الصخور بخطوات حذرة يخفيها طمع جارف منذ عصور الفراعنة، تكررت هذه الجريمة كأنها لعنة أبدية تنهش في قلب حضارةٍ لا مثيل لها كل قطعة أثرية تنتزع من مكانها هي صفحة ممزقة من سجل التاريخ، إما أن ينقذها علماء الآثار ويضيفوها إلى كنوز المعرفة، أو تضيع في متاهات الأسواق السوداء إلى الأبد.
ما هي لعنة الذهب المدفون
في قلب الصحراء، حيث تصمد الأهرامات أمام زحف الزمن، بذل المصريون القدماء جهدًا خارقًا لحماية مقابرهم وكنوزهم، شيدوا متاهات حجرية معقدة، وضعوا أبوابًا ضخمة تزن أطنانًا، وملأوا الجدران بالتعاويذ لتحرس الملوك بعد موتهم، لكن الطمع كان دائمًا أقوى من الحجر والسحر، فلم تسلم معظم المقابر الملكية من النهب بعد سنوات قليلة من إغلاقها. وحدها مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون نجت بمعجزة حين قُبض على اللصوص في اللحظة الأخيرة، وكذلك مقابر تانيس في دلتا النيل التي ظلت صامدة كجوهرة نادرة.
كان اللصوص يتحركون تحت ستار الليل، يحفرون في صمتٍ مرعب، وقلوبهم ترتجف من شرطة الجبانة، تلك القوة الصارمة التي لا ترحم، ورغم أن العقوبة قد تصل إلى التعذيب والموت، إلا أن إغراء الذهب والتمائم والزيوت المقدسة كان نداءً لا يقاوم في إحدى المحاكم القديمة، مثل لصٌ جريء أمام القاضي، فسأله الأخير بنبرة صاعقة: كيف تجرأت على تدنيس مقبرة الملك؟ فرد بابتسامة ساخرة تخفي خوفه: يقولون إن الملك إله، فلماذا لم يمنعني من نفسي؟
تروي البرديات القديمة، مثل “أبوت” و”أمهرست” من زمن الأسرة العشرين، قصة أشبه بملحمة، في مدينة طيبة، وقف “باسر” حاكم البر الشرقي، رجل نقي حمل هم حماية تراث الأجداد، في مواجهة “باورع” حاكم البر الغربي، الذي غرق في مستنقع الفساد وتحالف مع رئيس شرطة الجبانة، بدلًا من حماية المقابر، فتح أبوابها للصوص، واقتسم معهم الغنائم في ليلٍ حالك.
لاحظ باسر آثار الحفر الغامضة قرب المقابر، وجمع شهادات عمالٍ خائفين، حتى تكشفت خيوط المؤامرة، وفي قاعة رسمية، واجه خصمه بأدلة دامغة: أدوات حفر ملوثة بالرمال، مجوهرات مسروقة في أيدي سماسرة، وشهادات كشفت المستور، حاول باورع الإنكار، لكن الحقيقة كانت أقوى من ألاعيبه، كانت تلك المواجهة معركة بين النور والظلام، بين من يسعى لإنقاذ التاريخ ومن يحاول دفنه.
لكن النهاية لم تكن حاسمة، فبرغم انتصار باسر، ظل شبح النهب قائمًا فكل ليلة، يتربص لصوص جدد في الظلال، ويسابق علماء الآثار الزمن لإنقاذ ما تبقى إنها معركة أبدية، حيث كل اكتشاف يعد انتصارًا للمعرفة، وكل قطعة ضائعة جرحًا غائرًا في قلب حضارةٍ عظيمة لا تزال تنبض في ذاكرة العالم.



