ذكرى معركة إمبابة.. كيف كان حال المصريين وأمراء المماليك قبل بداية المعركة
أميرة جادو
عند دخول “نابليون بونابرت” وجيشه إلى الإسكندرية لم يواجهه أحد، من المماليك أو من جيش الدولة العثمانية التي كانت تتبعها مصر في ذلك الوقت، فقط وقف “محمد كُريم” وحده أمام الجيش الفرنسي، رفض الانصياع للجنرال بونابرت ورفض التسليم فكان القتل مصيره، لكن في القاهرة وبالتحديد وقت اندلاع معركة إمبابة ربما اختلف الأمر قليلاً، باحتلالها انتهى الأمر وأًصبح الاحتلال الفرنسي للبلاد أمر واقع.
ذكرى معركة إمبابة
مرت أمس الذكرى الـ 226 على “معركة إمبابة”، حيث قامت فى 21 يوليو عام 1798 بين المماليك بقيادة مراد بك وإبراهيم بك وجيوش الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال بونابرت، وانتهت بهزيمة ساحقة للمماليك، بقتل وأسر وغرق فى مياه النيل، حيث اشترك فيها من الجانب المصرى 10 آلاف من فرسان المماليك وبضعة آلاف من المشاة، ووصلت خسائر المصريين بالآلاف بينما قتلى الفرنسيين كانوا نحو ثلاثمائة قتيل، وسميت هذه المعركة بالأهرامات نظرًا لأن الجيوش كانت تمتد من إمبابة إلى الأهرامات.
واجتمع أمراء المماليك في القاهرة، بهدف مواجهة العدوان الفرنسي القادم والذي يهدد سلطانهم في مصر، بينما الدولة العثمانية لم تتحرك ساكنة أمام احتلال إحدى ولايتها التابعة لها، لكن كيف كان وضع المصريين وقتها، كيف استقبلوا نبأ مجئ جيش نابليون لاحتلال القاهرة، وكيف استعد أمراء المماليك لتلك الحرب التي يستطعون مجاراتها.
انهزام مراد بك
ووفقاً لما ذكره كتاب “نابوليون بونابارت في مصر” للمؤرخ أحمد حافظ عوض، نقلاً عن الجبرتي إنه لما وصلت الأخبار بانهزام مراد بك، اشتد انزعاج الناس، وكان العلماء يجتمعون بالأزهر كل يوم، ويقرءون البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والبراهمة “لا يريد البراهمة الهنود، بل أتباع سيدي إبراهيم الدسوقي المعروف” والقادرية والسعدية، وغيرهم من الطوائف، وأرباب الأشاير، ويعملون لهم مجالس بالأزهر، وكذلك أطفال المكاتب ويذكرون الاسم اللطيف وغيره من الأسماء “يعني بهذا تلاوة أسماء الله الحسنى”.
قال عن يوم الاثنين 16 يوليو «٢ صفر»، وبعد ذكره خبر وصول مراد بك إلى إمبابة، وشروعه مع بقية الأمراء في إقامة المتاريس، وترتيب الجنود حتى سار البر الغربي والشرقي مملوءين بالمدافع والعساكر والمتاريس والخيالة والمشاة قال: “ومع ذلك فلم تكن قلوب الأمراء مطمئنة، إذ شرعوا في نقل أمتعتهم من البيوت الكبار المشهورة، إلى البيوت الصغيرة التي لا يعرفها أحد، واستمروا طول الليالي ينقلون الأمتعة ويوزعونها على معارفهم وثقاتهم، وأرسلوا البعض منها إلى بلاد الأرياف، وأخذوا في تشهيل الأحمال، واستحضار دواب الشيل وأدوات الارتحال”.
حال المصريين وأمراء المماليك
وهذا من الأدلة القاطعة على أن أمراء المماليك قد داخلهم الفزع والخوف، وأنهم لم يكونوا واثقين من أنفسهم، ولا من قادتهم، وأنهم ما كانوا يحرصون على ملك، ولا يشعرون بعاطفة قومية أو دينية أو وطنية، ولا فكروا في قبور أسلافهم، ولا في معابد دينهم، حتى ولا في أعراضهم، كما يشعر كل قوم يداهمهم عدو أجنبي عن جنسهم ودينهم وخلقهم.
وكان كل همهم محصورًا في الحرص على مقتنياتهم وأموالهم التي سلبوها من المصريين المساكين!! وعندي أن مراد بك على الرغم من أنه أشجع الجميع، وأحقهم بشيء من الثناء لمدافعته ومقاومته، ما أسرع بالفرار إلى القاهرة بعد واقعة شبراخيت، إلا ليجمع ما لديه من مال وخيول، ليهرب إلى الصعيد!.
فقد روى الجبرتي: أن مراد بك بعد واقعة إمبابة الأخيرة فر إلى الجيزة ولم يقض في قصره أكثر من ربع ساعة، وأنه قد أعد غليونه الكبير وجمع فيه كل ما يريد الحرص عليه، وأنه اضطر إلى حرق ذلك الغليون لما عجز عن سيره لقلة الماء في النيل! ورووا عن إبراهيم بك أنه أعد في السفن كثيرًا من خيراته ومقتنياته.
أوامر المماليك
ومن الغريب في أمر أولئك المماليك أنهم في ذلك الظرف العصيب، حرموا على غيرهم ما أحلوه لأنفسهم، فقد روى «الجبرتي» أنه لما رأى الأهالي منهم ذلك الخوف، والسعي في تخبئة أموالهم ومقتنياتهم، أرادوا الاقتداء بهم، فمنعهم الأمراء «المماليك» وهددوهم بالقتل، ولولا ذلك لما بقي بمصر من أغنيائها أحد.
وقال الجبرتي أيضا: “وانقطعت الطرق، وتعدى الناس بعضهم على بعض، وأما بلاد الأرياف فإنها قامت على قدم وساق بقتل بعضهم بعضًا، وبنهب بعضهم بعضًا، وكذلك العرب غارت على الأطراف والنواحي، وصار قطر مصر، من أوله إلى آخره، في قتل ونهب، وإخافة طريق، وقيام شر، وإغارة على الأموال.. وحاول العامة التعدي على النصارى واليهود فمنعهم الحكام، ولولا ذلك المنع لقتلهم العامة وقت الفتنة”.