مدينة صبراتة.. عروس البحر المتوسط وذاكرة الحضارات في ليبيا
أسماء صبحي – على الساحل الغربي لليبيا حيث يلتقي زرقة البحر الأبيض المتوسط بصفرة الرمال. تنتصب أطلال مدينة صبراتة الأثرية شاهدة على تاريخ طويل من الحضارات المتعاقبة. فهي مدينة عريقة أسسها الفينيقيون في القرن السابع قبل الميلاد كميناء تجاري ثم تحولت في عهد الرومان إلى مركز مزدهر يجمع بين التجارة، والثقافة، والفنون. وفي عام 1982 أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي لتصبح رمزًا للحضارة المتوسطية في شمال أفريقيا.
تاريخ مدينة صبراتة
ترجع بدايات صبراتة إلى الفينيقيين الذين أسسوها كمحطة بحرية على خط التجارة بين صور (في لبنان حاليًا) والسواحل الأفريقية. وبفضل موقعها الاستراتيجي، أصبحت ملتقى للقوافل التجارية القادمة من عمق الصحراء والمتجهة نحو أوروبا.
ومع دخولها تحت النفوذ الروماني في القرن الثاني قبل الميلاد شهدت صبراتة نهضة كبيرة. حيث أعيد تنظيمها عمرانياً وبنيت فيها مرافق عامة كالمسارح والحمامات والمنتديات.
العمارة والآثار
تتميز صبراتة بتراث معماري متنوع يعكس مزيجًا من الفينيقي والروماني والبيزنطي، ومن أبرز معالمها:
- المسرح الروماني: يعد من أروع المسارح القديمة في العالم حيث يتسع لقرابة 5000 متفرج ويتميز بواجهة من ثلاثة طوابق مزينة بالأعمدة.
- المعابد: مثل معبد ليبر باتر ومعبد إيزيس اللذان يكشفان عن التنوع الديني في المدينة.
- المنتدى والسوق: مركز الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
- الحمامات: التي تعكس جانب الرفاهية في الحياة اليومية للرومان.
- المساكن الفاخرة: المزينة بالفسيفساء التي لا تزال ألوانها نابضة بالحياة حتى اليوم.
الدور الاقتصادي
اشتهرت صبراتة بتجارة الزيتون الذي كان من أهم منتجات المنطقة، إلى جانب تصدير العاج والذهب والعبيد القادمين من أفريقيا عبر الصحراء الكبرى. وكانت موانئها نقطة استراتيجية مهمة للتواصل التجاري بين أفريقيا وأوروبا.
صبراتة والفنون
ارتبط اسم صبراتة ارتباطًا وثيقًا بالفنون، خصوصًا المسرح والموسيقى. فقد كان المسرح الروماني مسرحًا للعروض الدرامية والكوميدية إضافة إلى المهرجانات الدينية. واليوم، لا يزال المسرح يستخدم أحيانًا لاستضافة فعاليات ثقافية وموسيقيةليعيد الحياة لمدينة كانت مركزًا للفن والإبداع.
ويقول الدكتور إبراهيم الزوي، أستاذ التاريخ القديم بجامعة طرابلس، إن مدينة صبراتة ليست مجرد آثار رومانية صامتة، بل هي سجل حضاري يعكس كيف تفاعلت شعوب البحر المتوسط عبر التجارة والثقافة. وما يميزها هو تنوعها المعماري الذي يكشف عن تعاقب الفينيقيين والرومان والبيزنطيين على أرض واحدة



