دير الأنبا سمعان بأسوان.. محبة الله على ضفاف النيل
يقع دير الأنبا سمعان على الضفة الغربية من نهر النيل في مدينة أسوان، يجاوره مقبرة الأغاخان الشهيرة، أحد المناطق المفتوحة للزيارة طيلة العام، إذ يشهد احتفالات وطقوس دينية للأقباط لمدة أربعة أيام في شهر ديسمبر من كل عام بمناسبة أعياد الميلاد.
يعد الدير منشأة شبه متكاملة، ونموذج فريد للأديرة الباخومية الاجتماعية في مصر، التي مازالت باقية حتى منذ إنشاءه في القرن الخامس الميلادي، ولكن تم هجره عقب تعرضه للسلب والنهب، تحول الدير مؤخرًا لاستراحات للحجاج المارين بالمنطقة، ليصبح نموذجا فريدًا على التقاء الديانتين المسيحية والإسلامية في مكان واحد.
يقول الأثري عبدالسلام حسن، مدير عام منطقة آثار أسوان الإسلامية، إن تاريخ دير الأنبا سمعان يرجع للقرن الخامس الميلادي طبقا لما عثر عليه من شواهد قبور بالجهة القبلية للدير؛ والمحفوظة حاليًا في متاحف القاهرة والمؤرخة ما بين الفترة من 487 ميلاديا حتى 539 ميلاديا.
الأديرة الباخومية
يضيف حسن أن الدير يقع على ربوة عالية، تحيط به صحراء من كل جانب، ويطل بواجهته الشرقية على نهر النيل مباشرة، ولا يفصله عنه سوى 500 متر تقريبًا، وهو محصن طبيعيا، ويعتبر واحدًا من أهم الأديرة الباخومية الاجتماعية التي انتشرت في صعيد مصر، والتي سميت بهذا الاسم نسبة إلى باخوم، قائد جيش الإمبراطور قسطنطين، والذي اعتنق الديانة المسيحية سنة 384 ميلاديا، وأسس هذه الأديرة الاجتماعية لجمع الرهبان في بقعة واحدة.
يوضح مدير منطقة آثار أسوان الإسلامية أن الدير سمى بهذا الاسم نسبة إلى الأنبا سمعان، الذي يعتبر من أبرز مؤسسي الدير، بينما يطلق عليه البعض اسم دير الأنبا “هدرا” نسبة إلى أحد الرهبان الذي كان موجودا في الدير وتقلد كرسي كنسي.
مكونات الدير
يضيف مدير آثار أسوان الإسلامية والقبطية أن الدير شُيد من الأحجار المحلية؛ وهي الحجر الرملي، والبازلتي، كما تم استخدام بعض الكميات من الطوب اللبن وطوب الأجر “الطوب الأحمر” في جميع منشآته، وينقسم الدير إلى قسمين هما المبني الشرقي؛ ويوجد فيه المدخل الرئيسي، ويعلوه برج حراسة، يؤدي إلى فناء به مسطبة بأطوال 14 في 4.5 متر، وبارتفاع متر واحد عن الأرض، وكانت مخصصة للرهبان الجدد والفقراء الجدد، لكي يجلسوا عليها، كما يوجد بالفناء بعض الأبنية التي كانت تخصص للذبائح وتقديم الأطعمة.
ويشير إلى وجود الكنيسة الأثرية بوسط الدير، وهي مقامة على الطراز البازلتي المعروف في تخطيط الكنائس على مساحة 28 فى 18 مترا، وتنقسم من الداخل إلى جناح غربي وجناح شرقي يتوسطه فناء، ويجد به الهيكل الرئيسي على شكل صليب على جانبيه حجرات، يوجد بهذا الهيكل رسومات حائطية تمثل ايقونات للسيدة العذراء والقديسين مازالت آثارها موجودة حتى الآن.
يتابع: أن فناء الدير يوجد فيه بقايا أعمدة من الحجر والطوب الأحمر، وفي الناحية الجنوبية من الكنيسة يوجد ضريح مقبب بقبو وبراميل يقال إنها مدفن الأنبا سمعان، وله مغارة تقع بالطرف الشمالي الغربي من الكنيسة، كان يتعبد بها، وتوجد في هذه المغارة رسومات جدارية تمثل صلبان ملونة.
القلالي
يضيف الأثري عبدالسلام حسن أن المبني الشرقي للدير يحتوي على حجرات للرهبان تسمي “القلالي”، وهو مكان ضيق يتعبد فيه الراهب، سميت بهذا الاسم نسبة إلى كلمة “القلي”، إذ كان الراهب يعاني بشدة أثناء وجوده داخل هذه الحجرات لأداء العبادة، وفي نهاية هذه القلالي يوجد باب يؤدي إلى حجرة تضم موائد حجرية مازالت بقاياها موجودة حتى الآن، يليها المطعم الذي يضم أحواض ومزاريب فخارية لتصريف المياه.
اكتفاء ذاتي
يوضح حسن أن الدير كان يضم أيضا منطقة حظائر الإبل والماشية، ومعاصر الزيوت ومطاحن الغلال، إذ كان عبارة عن منشأة ذات الاكتفاء الذاتي من الأكل والشرب شأنه شأن باقي الأديرة المنتشرة في صحراء مصر، والتي تم إنشاؤها هربا من الاضطهاد الروماني قديما.
استراحات الحجاج
قال عبدالسلام إن دير الأنبا سمعان تعرض للنهب والغارات من البدو والنوبيين والأعراب في فترات متعددة، كان آخرها في القرن الـ13 الميلادي، ومنذ ذلك التاريخ هجر الدير واستعمل في العصر الإسلامي كاستراحات للحجاج في طريقهم إلى البحر الأحمر، ولجميع المارين في تلك المنطقة وهذا مسجل في عدة حجرات بالقلالي.
احتفالات سنوية
يوضح أيضا أن احتفالات الأقباط تقام كل عام داخل الدير في الفترة من 21 حتى 24 ديسمبر بمناسبة الاحتفال بأعياد الميلاد، وتتضمن إقامة بعض الطقوس الدينية بعد موافقة هيئة الآثار والتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة خلال تلك الفترة، ولكن لا تقام أي طقوس دينية أخرى في هذا الدير باقي أيام السنة، ويكون مفتوح للزيارة في الأوقات الرسمية فقط، ويعتبر دير الأنبا سمعان الدير الوحيد في مصر الذي لا يسكنه رهبان، ولا تقام فيه الصلوات الدينية إلا في تلك الأيام المحددة.
ترميم الدير
يشير الأثري إلى أن البعثة الألمانية تقوم كل عام بأعمال توسيع ودراسات لمباني الدير، وتقوم ببعض الحفائر البسيطة وتدرس الفخار والعظام الذي وجد في منشآت الدير؛ تمهيدًا للقيام بأعمال مشروع متكامل لإعادة ترميم الدير ترميمًا وثائقيا صحيحا.
تمهيد الطريق
يناشد مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية في أسوان المسؤولين المختصين في محافظة أسوان بالتعاون مع هيئة الآثار؛ لتمهيد الطريق البري المؤدي إلى الدير خصوصًا من ناحية الطريق الصحراوي، إضافة إلى تمهيد الطريق الذي يربط بين الدير ونهر النيل، لأنه مرهق جدا للزائرين، حتى ينعكس ذلك بالإيجاب على تنشيط السياحة الداخلية، ويسهل زيارة السائحين الأجانب للدير الذي يعتبر واحدا من أهم الآثار القبطية في أسوان.