وطنيات

من قلب معركة أكتوبر 1973 ملحمة جبل مريم التي غيرت مسار الحرب

دعاء رحيل 

في أكتوبر 1973، كانت حرب السادس من أكتوبر مشتعلة على جبهات القتال، وكان جبل مريم المطل على الإسماعيلية يمثل مفتاح السيطرة على قيادة الجيش الثاني الميداني وطريق القاهرة، في اليوم السادس من معركة ثغرة الدفرسوار، 21 أكتوبر، بلغت المعارك ذروتها، وكانت الثغرة التي بدأت في 16 أكتوبر اختبارا حقيقيا لصمود القوات المصرية، خاصة كتيبة المظلات 85 بقيادة المقدم عاطف منصف.

قصة ملحمة جبل مريم

في خندق بعمق ثمانية أمتار، تلقى المقدم عاطف اتصالا من اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني، يطلب منه انتظار مكالمة حاسمة، وبعد لحظات، جاء صوت الرئيس أنور السادات عبر الخط وهو يردد بثقة أن جبل مريم أمانة وعليهم الدفاع عنه حتى آخر طلقة، كلمات الرئيس أشعلت الحماس في قلوب الجنود، لكن المكالمة التي زادت من إصراره كانت من ابنته الصغيرة سهيلة، التي سألته ببراءة عن موعد عودته، وهي لفتة إنسانية أراد بها القائد أن يذكر جنوده بمن يدافعون عنهم.

منذ اندلاع معركة الثغرة في 16 أكتوبر، تحركت كتيبة المظلات 85، التي كانت مدربة للقتال كفرسان جو لتنفيذ عمليات خلف خطوط العدو، لكن الظروف أجبرتها على القتال كمشاة، خاضت الكتيبة معارك ضارية لتأمين طرق الدفرسوار ومرسى أبو سلطان، وخلال 17 و18 أكتوبر تصدت لهجمات مدرعات العدو عند مطار الإسماعيلية، وأوقعت بها خسائر مؤلمة بدقة نيرانها.

وفي 19 أكتوبر، صدرت الأوامر للكتيبة بتأمين جبل مريم وتبة الشيخ حنيدق وعين غصين، وبعد استطلاع دقيق، تبين أن العدو استولى بالفعل على بعض المواقع المهمة، ومع انسحاب قوات المشاة مساء 20 أكتوبر، أصبحت الكتيبة 85 وحدها خط الدفاع الأخير عن جبل مريم، مدعومة بمدفعية هاون قوية، كان سقوط الجبل يعني فتح الطريق أمام العدو لعبور بحيرة التمساح والوصول إلى قلب الإسماعيلية.

في 21 أكتوبر، يوم الحسم، شن العدو هجوما عنيفا لتحسين مواقعه قبل وقف إطلاق النار، لكن رجال المظلات حولوا الجبل إلى حصن منيع بفضل تحصيناتهم وإرادتهم القوية، استمر القتال حتى مساء 22 أكتوبر حين بدأ وقف إطلاق النار، وبالرغم من الهدنة واصل الجنود المصريون هجماتهم الدفاعية النشطة لإرهاق العدو، حتى انطلقت مفاوضات الكيلو 101 التي أرغمته على التراجع.

وفي الثاني من يناير 1974، الذي صادف عيد الأضحى، جاء القائد محمود عبد الله لتهنئة رجاله في جبل مريم برفقة الشيخ محمد أبو داود، لكن سرعان ما تعرض الجبل لقصف مدفعي عنيف استمر ثلاث ساعات، وسقط خلاله سبعون شهيدا، ورغم ذلك، وضع المقدم عاطف خطة دقيقة لقصف مواقع تخزين العدو قبل الغروب بعشر دقائق، فأوقع في صفوفه 167 قتيلا في ضربة موجعة دفعت العدو للجوء إلى الأمم المتحدة.

زار اللواء فؤاد عزيز غالي قائد الجيش الثاني موقع جبل مريم وشارك جنوده طعام العيد، في مشهد جسد روح التضحية والإصرار، وقد صنعت كتيبة المظلات 85 بقيادة المقدم عاطف منصف ملحمة خالدة في ذاكرة حرب أكتوبر، فبشجاعتهم وبإيمانهم العميق كتبوا صفحة من صفحات النصر التي سيظل جبل مريم شاهدا عليها في تاريخ مصر العريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى