قبائل و عائلات

قبيلة بنو الأشعر ودورها في تاريخ الأندلس

أسماء صبحي – حين نتحدث عن الأندلس، فإننا لا نستطيع أن نفصل تاريخها السياسي والحضاري عن دور القبائل العربية التي استوطنتها منذ لحظة الفتح وحتى سقوط غرناطة. تلك القبائل لم تكن مجرد جموع مقاتلين عبروا البحر ثم ذابوا في الأرض الجديدة. بل كانت جماعات لها تاريخها ونسبها وعاداتها وحافظت على هويتها في مواجهة التحولات الكبرى. ومن بين هذه القبائل برزت قبيلة بنو الأشعر، التي انتقلت من اليمن إلى شمال أفريقيا ومنها إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، لتصبح جزءًا من النسيج الأندلسي.

أصل قبيلة بنو الأشعر

تنمي القبيلة إلى القبائل اليمنية القحطانية ولها جذور قديمة في جنوب الجزيرة العربية. وارتبط اسمها في التاريخ الإسلامي المبكر بالصحابي أبي موسى الأشعري، أحد كبار القراء والقضاة في صدر الإسلام. ومع موجة الفتوحات الكبرى، هاجرت بطون من الأشعريين إلى العراق والشام ومصر. ثم عبرت لاحقًا إلى المغرب العربي، قبل أن يستقر قسم منهم في الأندلس عقب الفتح الإسلامي سنة 711م.

وجودهم في الأندلس لم يكن عابرًا، بل ارتبط بمناطق محددة خاصة في جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية. فقد استقر بعضهم في مقاطعة “رية” قرب مالقة، بينما استقر آخرون في إشبيلية. وكانوا جزءًا من التركيبة الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في تشكيل معالم تلك المدن.

دورهم في الفتح والاستقرار

كان للأشعريين نصيب في المشاركة ضمن جيوش موسى بن نصير وطارق بن زياد، وبعد تثبيت الحكم الإسلامي توزعت القبائل بين مختلف المناطق. وارتبطت مكانة بني الأشعر بكونهم من القبائل اليمانية، إذ لعبت الانتماءات القبلية دورًا في تحديد الولاءات السياسية والعسكرية. وقد وجد الأشعريون أنفسهم جزءًا من التحالفات اليمانية التي نافست القبائل القيسية، وكان لهذا الصراع أثر واضح في مسار الحكم بالأندلس.

لم يقتصر دورهم على الجانب العسكري فقط، بل امتد إلى المجال الإداري والاقتصادي. فقد حصل بعض أبنائهم على أراضٍ زراعية، وعملوا في الفلاحة والتجارة، مما ساعد على استقرارهم وتعزيز وجودهم الاجتماعي.

البعد الثقافي والديني

لم يكن الأشعريون بعيدين عن الحياة الثقافية والدينية في الأندلس. فقد عرف عنهم اهتمامهم بالعلم الشرعي، وبرز منهم قضاة وعلماء شاركوا في الحياة الفكرية. كما ساهموا في الحفاظ على العربية الفصحى واللهجات اليمنية التي حملوها معهم، وكان لذلك أثر على لهجات الأندلسيين لاحقًا.

كما أن وجودهم في الأندلس ارتبط بالحفاظ على التقاليد الإسلامية الأصيلة، من خلال بناء المساجد والمشاركة في حلقات العلم. ومع مرور الزمن أصبح بعض أبناء القبيلة مندمجين في الحياة الأندلسية العامة، لكنهم ظلوا يحتفظون بالوعي بهويتهم القبلية.

الصراعات القبلية وأثرها

عاشت الأندلس فترات من الاضطراب بسبب الصراع بين القبائل القيسية واليمانية. وكان بنو الأشعر جزءًا من هذا الاستقطاب، إذ انتموا إلى الكتلة اليمانية التي اصطدمت أحيانًا بالقيسيين. وهذه الخلافات القبلية لم تكن مجرد نزاعات محلية، بل أثرت على موازين القوى السياسية، وكان لها انعكاس على تعيين القادة وتوزيع الأراضي والمناصب.

وفي بعض الفترات، استغل الحكام الأمويون في الأندلس هذا الصراع لموازنة القوى. بحيث يضمنون ولاء كل طرف عبر سياسة توزيع المنافع، وهو ما جعل الأشعريين جزءًا من المشهد السياسي بطريقة غير مباشرة.

إرثهم في المجتمع الأندلسي

رغم أن القبائل مع مرور الوقت اندمجت في الهوية الأندلسية العامة. فإن بصمة بني الأشعر لم تختف. فقد ارتبطت بعض الأحياء بأسمائهم، كما احتفظت بعض العائلات الأندلسية بنسبها إليهم. ومن خلال العلماء والفقهاء الذين برزوا من أبنائهم، تركوا أثرًا في الحياة الفكرية التي ميزت الأندلس.

إضافة إلى ذلك، فإن وجودهم ساهم في إثراء التنوع الاجتماعي والثقافي. حيث اختلطوا بالسكان المحليين والبربر وغيرهم من المهاجرين العرب. وهذا التمازج خلق هوية أندلسية جامعة، لكنها حملت في طياتها أثر كل قبيلة من القبائل العربية التي استوطنت هناك.

وقال الدكتور فهد الناصري، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة قرطبة، إن قبيلة بني الأشعر من النماذج التي توضح كيف أسهمت القبائل العربية في بناء المجتمع الأندلسي. لقد حملوا معهم تاريخهم وهويتهم، وساهموا في تثبيت الحكم الإسلامي عبر المشاركة في الفتوحات، ثم في الإدارة والزراعة والتجارة. ورغم أن الأجيال اللاحقة اندمجت في المجتمع الأوسع، فإن أثرهم ما زال حاضرًا في السجلات التاريخية وفي الذاكرة الجماعية للأندلسيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى